[هل صرف الوقت بدون فائدة مكروه أو مباح؟]
ـ[أسامة أبو المنذر]ــــــــ[19 - 07 - 10, 12:04 ص]ـ
من مرت عليه هذه المسألة
وبإمكانه أن يفيدنا بها أفاده الله
وجزاه خيرا
ـ[عمر بن عبد المجيد]ــــــــ[18 - 09 - 10, 10:52 ص]ـ
لم أجد من نصَّ على حكم في ذلك ولكن الذي تبين لي بعد البحث والنظر أن حكم إضاعة الوقت بدون فائدة: مكروه لما يلي:
1ـ أن الإنسان سوف يسأل يوم القيامة عن عمره فيم أفناه كما يُسأل عن ماله من أين أنفقه وماذا عمل به كما قال صلى الله عليه وسلم: (لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ما عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه) رواه الترمذي.
2ـ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك) رواه الحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وأقل ما يفيد هذا الحديث هو: استحباب استغلال الوقت وبالمقابل كراهة إضاعته فيما لا ينفع.
3ـ أن في إضاعة الوقت عدم شكر لنعمة الفراغ قال صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ) رواه البخاري.
4ـ بدلالة فحوى الخطاب وذلك أن الله أمرنا بحفظ المال وعدم إضاعته، ومعلوم أن الوقت أغلى وأثمن من المال فإن المال يأتي ويذهب، وما مضى من الوقت لا يعود أبداً ولا يستطيع أحد تعويضه.
وقد كان السلف الصالح أحرص ما يكونون على أوقاتهم؛ لأنهم كانوا أعرف الناس بقيمتها، وكانوا يحرصون كل الحرص على ألا يمر يوم أو بعض يوم أو برهة من الزمان وإن قصرت دون أن يتزودوا منها بعلم نافع أو عمل صالح أو مجاهدة للنفس أو إسداء نفع إلى الغير، يقول الحسن: أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم.
وقال عمر بن ذر: الأيام إذا فكرت فيها ثلاثة: يوم مضى لا ترجوه، ويوم أنت فيه ينبغي أن تغنمه، ويوم في يدك أمله فلا تغتر بالأمل فتخل بالعمل، فإنما اليوم وأمس كأخوين نزل بك أحدهما فأسأت نزله وقراه، فرحل عنك وهو ذام لك ثم نزل بك أخوه فقال: إن أسأت إلي كما أسأت إلى أخي فما أخلقك أن تعدم شهادتنا.
وسمع الحسن رجلاً يقول: اللهم اجعلنا منك على حذر! فقال: إنه فعل ذلك، أليس قد ستر عنك أجلك فلست من حياة ساعة على يقين؟.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: " إضاعة الوقت الصحيح يدعو إلى درك النقيصة، إذ صاحب حفظه مترق على درجات الكمال، فإذا أضاعه لم يقف موضعه، بل ينزل إلى درجات من النقص، فإن لم يكن في تقدم فهو متأخر ولا بد، فالعبد سائر لا واقف، فإما إلى فوق، وإما إلى أسفل، إما إلى أمام، وإما إلى وراء، وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف ألبتة، ما هو إلا مراحل تطوى أسرع طي، إلى الجنة أو إلى النار، فمسرع ومبطئ، ومتقدم ومتأخر، وليس في الطريق واقف ألبتة، وإنما يتخالفون في جهة المسير وفي السرعة والبطء، قال تعالى: (إنها لإحدى الكبر. نذيرا للبشر. لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر)، ولم يذكر واقفا، إذ لا منزل بين الجنة والنار، ولا طريق لسالك إلى غير الدارين ألبتة، فمن لم يتقدم إلى هذه الأعمال الصالحة، فهو متأخر إلى تلك بالأعمال السيئة.
فإن قلت: كل مُجِدٍّ في طلب شيء لا بد أن يعرض له وقفة وفتور ثم ينهض إلى طلبه؟
قلت: لا بد من ذلك، ولكن صاحب الوقفة له حالان:
إما أن يقف ليجم نفسه، ويعدها للسير: فهذا وقفته سير، ولا تضره الوقفة، فإن لكل عمل شرَّة، ولكل شرَّة فترة.
وإما أن يقف لداع دعاه من ورائه، وجاذب جذبه من خلفه، فإن أجابه أخره ولا بد، فإن تداركه الله برحمته، وأطلعه على سبق الركب له وعلى تأخره: نهض نهضة الغضبان الآسف على الانقطاع، ووثب، وجمز - أي: قفز، واشتد سعيا ليلحق الركب.
وإن استمر مع داعي التأخر، وأصغى إليه، لم يُرض برده إلى حالته الأولى من الغفلة وإجابة داعي الهوى، حتى يرده إلى أسوأ منها، وأنزل دركا، وهو بمنزلة النكسة الشديدة عقيب الإبلال من المرض، فإنها أخطر منه وأصعب.
وبالجملة: فإن تدارك الله سبحانه وتعالى هذا العبد بجذبة منه مِن يَدِ عدوِّه وتخليصه، وإلا فهو في تأخر إلى الممات، راجع القهقرى، ناكص على عقيبه، أو مُوَلٍّ ظهره، ولا قوة إلا بالله، والمعصوم من عصمه الله " انتهى."مدارج السالكين" (1/ 267 - 268).
وقال ابن الجوزي: رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً.
إن طال الليل فبحديث لا ينفع، أو بقراءة كتاب فيه غزاة وسمر.
وإن طال النهار فبالنوم.
وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق.
فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم، وما عندهم خبر.
ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود، فهم في تعبئة الزاد والتأهب للرحيل.
إلا أنهم يتفاوتون وسبب تفاوتهم قلة العلم وكثرته بما ينفق في بلد الإقامة.
فالمتيقظون منهم يتطلعون إلى الأخبار بالنافق هناك، فيستكثرون منه فيزيد ربحهم.
والغافلون منهم يحملون ما اتفق، وربما خرجوا لا مع خفير.
فكم ممن قد قطعت عليه الطريق فبقي مفلساً.
فالله الله في مواسم العمل.
والبدار البدار قبل الفوات.
واستشهدوا العلم، واستدلوا الحكمة، ونافسوا الزمان، وناقشوا النفوس، واستظهروا بالزاد. فكأن قد حدا الحادي فلم يفهم صوته من وقع مع الندم. صيد الخاطر.
وقال ابن القيم: إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها. الفوائد.
¥