تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[ظاهرة الفرقة بسبب عدم الإنجاب]

ـ[أبو مالك السعيد العيسوي]ــــــــ[15 - 08 - 10, 05:25 م]ـ

حمى الله سبحانه وتعالى الأسرة المسلمة بدعائم ركيزة, وأحاطها بسياج منيع, وجعل الأصل فيها المودة والرحمة, وشملها بميثاق غليظ, يقدر أهميته كلا الزوجين.

فكان الزَّواج نعمةً من الله تعالى ومحض تفضُّل على العبد. إلا أنَّ هناك ظاهرةً ليست بالنَّازلة المستحدثة؛ بل لها جذورٌ متأصلةٌ لا نزل نسمع عنها بين الحين والآخر, ظهرت في كثير المجتمعات الإسلامية, وانتشرت بين العديد من الأُسر المسلمة, واختلفت فيها تصرُّفات النَّاس وآراؤهم وتشعبت فيها أفكارهم وأهوائهم, وهي "ظاهرة الفرقة بسب عدم الإنجاب".

مقدمة:

أودع الله تعالى في البشر غريزة حبَّ الولد والتَّشوق إلى الأبوة, ومن حكمة الله تعالى أنه قسم النَّاس إلى أربعة أصناف .. صنفٍ يوهب الإناث وليس معهم ذكر .. وصنفٍ يوهب الذكور وليس معهم أنثى .. وصنفٍ يوهب الإناث والذُّكور .. وصنفٍ رابع لا يوهب شيئاً من ذلك لحكمة يعلمها الخالق جلَّ وعلا.

قال تعالى: {لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشآء يهب لمن يشآء إناثاً ويهب لمن يشآء الذُّكور (49) أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً, ويجعل من يشاء عقيماً, إنَّه عليمٌ قديرٌ}. [الشورى:49 - 50]. وأفاد تزييل الآية بهذه الخاتمة وهي: {إنَّه عليمٌ قديرٌ} أنَّ الله يعلم ذلك واختاره سبحانه, وأنَّ عدم إنجاب هذا الإنسان ليس ناشئاً عن عجز القدرة الإلهية وإنَّما لأمور أخرى الله أعلم بها.

ومع هذا نجد كثير من المسلمين إذا ابتلي بهذا الأمر –وهو عدم الإنجاب- خاصةً إذا كانت الزوجة هي التي لا تلد يسعى إلى تطليقها, والتَّخلي عنها بعد ما كان بينهما من مودةٍ وحبٍّ.

فكان لا بد من الإشارة إلى هذا الأمر مع مراعاة حال المبتَلَين بهذا الأمر. مبينين حكم طلب الفرقة بسبب عدم الإنجاب, والحلول.

أولاً: حكم الفرقة بسبب عدم الإنجاب:

القول الأول: لكل من الزَّوجين الحق أن يفارق صاحبه إذا ظهر عقمه بالفسخ:

فعن ابن سيرين أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: بعث رجلاً على بعض السِّعاية، فتزوج امرأة وكان عقيماً، فقال له عمر رضي الله عنه: أعلمتها أنك عقيم؟ قال: لا. قال: فانطلق فأعلمها ثمَّ خيرها" (1).

وقال الحسن رحمه الله تعالى: "إذا وجد الآخرَ عقيماً يخير" (2).

وذهب إليه من المعاصرين: الشَّيخ محمد بن إبراهيم في عدة فتاوى مجملها أنَّ: "العقم عيب يرد يُطلبُ به فسخُ النِّكاح, ما لم تكن المرأة دخلت على بصيرة وعلم بالواقع". (3). والشَّيخ سيد سابق رحمه الله تعالى حيث قال: " ... أن يتزوج الرجل المرأة وهو عقيم، لا يولد له ولم تكن تعلم بعقمه، فلها في هذه الحال حق نقض العقد وفسخه متى علمت، إلا إذا اختارته زوجا لها، ورضيت معاشرته". (4). وقال الشَّيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى –عمن وجدت زوجها عقيماً-: "تنظر للمصلحة، إن رأت المصلحة أن تبقى معه على حاله فهو خير، وإن قالت: إنها تريد الأولاد فلتستسمح منه ولتطلب منه أن يفسخ النِّكاح أو يطلقها" (5). وذهب إليه الشَّيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله حيث قال: " ... إذا لم تعلم به المرأة فلها طلب الفسخ لرغبتها في الذرية، فإن وجدت الحلول الطبية والعلاجات الشرعية التي تعيد إلى الرجل ما نقصه من أسباب الإنجاب فليس لها طلب الفسخ إلا بعد إجراء العمليات وعدم الإفادة منها" (6).

القول الثاني: أنَّ هذا العقم ليس بعيب يرد به النِّكاح, وليس لأحدهما طلب الفسخ من الآخر إذا كان عقيماً:

وهو قول جماهير أهل العلم, قال الموفَّق ابن قُدامة رحمه الله تعالى: "لا نعلم في هذا خلافاً بين أهل العلم" (7).

قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "ولو نكحها وهو يقول أنا عقيم, أو لا يقوله, حتى ملك عقدتها ثم أقر به, لم يكن لها خيار, وذلك أنه لا يعلم أنه عقيم أبداً حتى يموت؛ لأن ولد الرجل يبطئ شاباً ويولد له شيخاً, وليس له في الولد تخيير, إنما التخيير في فقد الجماع لا الولد" (8).

وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى -لما سئل عن الرجل يتزوج المرأة وهو عقيم لا يولد له؟ -: "أعجب إلي إذا عرف ذا من نفسه أن يبين عسى امرأته تريد الولد" (9).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير