[ضوابط الترجيح في اختلاف الروايات عن الامام مالك (الأستاذ فؤاد بلمودن)]
ـ[غير مسجل]ــــــــ[22 - 07 - 10, 08:59 م]ـ
من بريد الملتقى
ضوابط الترجيح في اختلاف الروايات عن الامام مالك
الأستاذ فؤاد بلمودن
باحث في الثراث الفقهي المالكي بالمغرب
تقديم:
الاختلاف حقيقة واقعة في المذهب المالكي , مما يعكس طبيعة المذهب المرنة والواسعة ,ولدى تتبعنا للخلاف داخل المذهب ألفيناه يرجع إلى عدة أسباب أهمها سبب رئيس، وهو اختلاف وتعارض الرواية المنقولة عن الإمام مالك، وهو أمر مشتهر و متوقع بالنظر إلى طول مدة انتصاب الإمام مالك للتدريس والفتيا، وهو عالم المدينة الذي ترد عليه السؤالات من الأقطار النائية وفي أشهر الحج، فتختلف الفتوى بحسب حال المفتي والمستفتي، وذكر ابن أبي زيد أن أهل العراق وحدهم نقلوا عن الإمام مالك نحو سبعين ألف مسألة، وقال شيوخ البغداديين: هذا غير ما زاد علينا أهل الحجاز ومصر والمغرب. 1)
وذكر القاضي ابن فرحون أن ذلك مما دفع أبو عمر المكوي وأبو بكر المعطي إلى جمعهما لرأي مالك خاصة لايشركه فيه قول أحد من أصحابه في اختلاف الروايات عنه فأكملاه في مائة جزء 2)
* أمثلة لاختلاف الروايات عن الإمام مالك:
- اختلف ابن القاسم وأشهب في مسألة وحلف كل منهما على أن ما قاله هو قول الإمام وما قاله الآخر لا يصح عنه ثم سألا ابن وهب فأكد لهما أن الإمام رأى الرأيين جميعا، فكفرا عن يمينهما.3) فتأمل رحمك الله فهؤلاء الثلاثة من مصر واحد وزمن واحد واختلفوا في قول مالك وهم أعلم الناس به وأكثرهم ملازمة له.
- وذكر صاحب النوادر والزيادات في مسألة تنكيس الوضوء: " .... ومن العتبية قال أشهب عن مالك: ومن غسل يساره قبل يمينه من يد أو رجل أجزأه، ومن المجموعة قال علي عن مالك: إن غسل ذراعيه ثم وجهه فإن ذكر مكانه أعاد ذراعيه، وإن لم يذكر حتى جف استأنف الوضوء، وإن لم يذكر حتى صلى أعاد الوضوء والصلاة، ثم قال بعد ذلك: لا يعيد الصلاة ولو كان في الوقت، ويعيد الوضوء لما يستقبل، قال عنه ابن نافع في استئناف الوضوء: أرى ذلك واسعا.
ومن الواضحة: ومن نكس وضوءه وصلى أجزأته صلاته ومن تعمد ذلك أو جهل ابتدأ الوضوء لما يستقبل، كان ذلك في مسنونه أو مفروضه،وإن كان سهوا فلا يصلحه إلا في تنكيس مفروضه ... والذي ذكره ابن حبيب عن ابن القاسم رواه ابن القاسم عن ابن حبيب في المجموعة. قال مالك في الموطأ: - فيمن غسل وجهه قبل أن يتمضمض – قال: يتمضمض ولا يعيد غسل وجهه، ولو غسل ذراعيه قبل غسل وجهه لأعادهما بعد غسل وجهه. 4)
فهذا مثال واضح لاختلاف قول مالك في المسألة الواحدة، وهو ما بثير إشكالا حول كيفية تعامل المتفقه مع هذه الروايات المتضاربة، وأي معيار يسلكه في الترجيح والموازنة؟ هل معيار الزمن فيقدم اللاحق على السابق أم معيار التلميذ الراوي أم معيار قوة الدليل ورجحانه فحسب؟
* ضوابط الترجيح بين الروايات المتعارضة عن الإمام:
لاشك أن الفقه المالكي قادر على الانضباط بضوابط وقواعد الاستنباط، ولأجل التقليل من الآثار السلبية لنوع الخلاف المذكور، فقد شهد المذهب نشاطا حافلا عبر مراحله التاريخية لوضع قواعد التعادل والترجيح والتشهير والتضعيف واقترحت عدة طرق وضوابط لمحاولة حسم هذا النوع من الخلاف المذهبي:
الضابط الأول: تقديم المتأخر على المتقدم من أقوال الإمام:
ذكر صاحب نشر البنود أنه من المعلوم لدى الأصوليين أنه لا يصح أن يكون للمجتهد قولان متناقضان في مسألة واحدة في مجلس واحد، بل لا بد أن يكون رجع عن أحدهما أو رجح أحدهما، فإن عرف المتأخر من القولين فهو الأرجح على الصحيح. 5)
وجاء في أجوبة المعيار أنه ينظر إلى التاريخ فيعمل بما تأخر فإذا التبس التاريخ فالأمر يختلف بحسب حال الناظر إن كان أهل للفتيا
أو لا.6)
¥