الصلاة في المسجد الحرام كم أصلي بـ (البطحاء)؟ قال: ركعتين .. إلخ. و
أخرجه أحمد (1/ 226): حدثنا يحيى عن هشام به. الخامس: همام: أخبرنا
قتادة به مثل لفظ هشام. أخرجه أحمد (1/ 290). و قد صرح قتادة بالتحديث
عنده في رواية شعبة. قلت: و في الحديث دلالة صريحة على أن السنة في المسافر
إذا اقتدى بمقيم أنه يتم و لا يقصر، و هو مذهب الأئمة الأربعة و غيرهم، بل
حكى الإمام الشافعي في " الأم " (1/ 159) إجماع عامة العلماء على ذلك، و
نقله الحافظ ابن حجر عنه في " الفتح " (2/ 465) و أقره، و على ذلك جرى عمل
السلف، فروى مالك في " الموطأ " (1/ 164) عن نافع: أن ابن عمر أقام بمكة
عشر ليال يقصر الصلاة، إلا أن يصليها مع الإمام فيصليها بصلاته. و في رواية
عنه: أن عبد الله بن عمر كان يصلي وراء الإمام بمنى أربعا، فإذا صلى لنفسه
صلى ركعتين. و رواه ابن خزيمة في " صحيحه " (954) من طريق أخرى عن ابن عمر.
و أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1/ 244) من طريق مالك، و من قبله
الإمام محمد في " موطئه " (ص 127 - 128) و قال: " و بهذا نأخذ إذا كان
الإمام مقيما و الرجل مسافر، و هو قول أبي حنيفة رحمه الله ". و قوله: " إذا
كان الإمام مقيما ... " مفهومه - و مفاهيم المشايخ معتبرة عندهم! - أن الإمام
إذا كان مسافر فأتم - كما يفعل بعض الشافعية -، أن المسافر المقتدي خلفه يقصر
و لا يتم، و هذا خلاف ما فعله ابن عمر رضي الله عنهما، و تبعه على ذلك غيره
من الصحابة، منهم عبد الله بن مسعود - الذي يتبنى الحنفية غالب أقواله - فإنه
مع كونه كان ينكر على عثمان رضي الله عنه إتمامه الصلاة في منى، و يعيب ذلك
عليه كما في " الصحيحين "، فإنه مع ذلك صلى أربعا كما في " سنن أبي داود " (
1960) و " البيهقي " (3/ 144) من طريق معاوية بن قرة عن أشياخه أن عبد الله
صلى أربعا، قال: فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعا؟! قال: الخلاف شر.
و هذا يحتمل أنه صلاها أربعا وحده، و يحتمل أنه صلاها خلف عثمان، و رواية
البيهقي صريحة في ذلك، فدلالتها على المراد دلالة أولوية، كما لا يخفى على
العلماء. و منهم سلمان الفارسي، فقد روى أبو يعلى الكندي قال: " خرج سلمان
في ثلاثة عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، و كان سلمان
أسنهم، فأقيمت الصلاة، فقالوا: تقدم يا أبا عبد الله! فقال: ما أنا بالذي
أتقدم، أنتم العرب، و منكم النبي صلى الله عليه وسلم، فليتقدم بعضكم، فتقدم
بعض القوم، فصلى أربع ركعات، فلما قضى الصلاة، قال سلمان: ما لنا و للمربعة
، إنما يكفينا نصف المربعة ". أخرجه عبد الرزاق (4283) و ابن أبي شيبة (2 /
448) و الطحاوي (1/ 242) بإسناد رجاله ثقات، و لولا أن فيه عنعنة أبي
إسحاق السبيعي و اختلاطه لصححت إسناده، فسكوت الشيخ عبد الله الغماري عنه في
رسالته " الرأي القويم " (ص 30) ليس بجيد، لاسيما و قد جزم بنسبته إلى سلمان
في رسالته الأخرى " الصبح السافر " (ص 42)!! هذا و لقد شذ في هذه المسألة
ابن حزم كعادته في كثير غيرها، فقد ذهب إلى وجوب قصر المسافر وراء المقيم، و
احتج بالأدلة العامة القاضية بأن صلاة المسافر ركعتان، كما جاء في أحاديث
كثيرة صحيحة. و ليس بخاف على أهل العلم أن ذلك لا يفيد فيما نحن فيه، لأن
حديث الترجمة يخصص تلك الأحاديث العامة، بمختلف رواياته، بعضها بدلالة
المفهوم، و بعضها بدلالة المنطوق. و لا يجوز ضرب الدليل الخاص بالعام، أو
تقديم العام على الخاص، سواء كانا في الكتاب أو في السنة، خلافا لبعض
المتمذهبة. و ليس ذلك من مذهب ابن حزم رحمه الله، فالذي يغلب على الظن أنه لم
يستحضر هذا الحديث حين تكلم على هذه المسألة، أو على الأقل لم يطلع على
الروايات الدالة على خلافه بدلالة المنطوق، و إلا لم يخالفها إن شاء الله
تعالى، و أما رواية مسلم فمن الممكن أن يكون قد اطلع عليها و لكنه لم يرها حجة
لدلالتها بطريق المفهوم، و ليس هو حجة عنده خلافا للجمهور، و مذهبهم هو
الصواب كما هو مبين في علم الأصول، فإن كان قد اطلع عليها فكان عليه أن يذكرها
مع جوابه عنها، ليكون القاريء على بينة من الأمر. و إن من غرائبه أنه استشهد
¥