فإذا رجعنا إلى الإمام الغزالي، نلاحظ كيف بنى آرائه واختياراته على قاعدة أن أصول الفقه تبنى على الأدلة قطعية الدلالة والثبوت، لا ظنية الدلالة أو الثبوت:
وهذا أمر واضح جداً في منهج الإمام الغزالي عند الترجيح بين الآراء المختلفة، فهو يذهب إلى أن أصول الفقه من باب القطعيات، وليس من باب المظنونات.
وبناء عليه فإنه لا يصلح الاحتجاج في الأصول إلا بالأدلة القطعية، كسميها "أصول الدين".
والإمام الغزالي لم يكن بدعاً في هذا الرأي، بل هو رأي شيخه إمام الحرمين، تلقاه الإمام الغزالي عنه، وإن لم يصرِّح بذلك.
وإليك رأيه واضحاً:
قال رحمه الله: "والقطعيات ثلاثة أقسام: كلامية، وأصولية، وفقهية " ... إلى أن قال: "وأما الأصولية فنعني بها كون الإجماع حجة، وكون القياس حجة، وكون خبر الواحد حجة، ومن جملته: خلاف من جوّز خلاف الإجماع المنبرم قبل انقضاء العصر، وخلاف الإجماع الحاصل عن اجتهاد، ومنع المصير إلى أحد قولي الصحابة والتابعين عند اتفاق الأمة بعدهم على القول الآخر، ومن جملته اعتقاد كون المصيب واحداً في الظنيات، فإن هذه المسائل أدلتها قطعية، والمخالف فيها آثم مخطيء، وقد نبهنا على القطعيات والظنيات في أدراج الكلام في جملة الأصول".
وقال أيضاً: "وكذلك المسائل الأصولية والعقلية، لا سبيل إلى إثباتها بالأقيسة الظنية".
وقال أيضاً: في التعليق على مسألة أصل اللغات هل هو توقيف أو اصطلاح ما نصه: "وأما الواقع من هذه الأقسام فلا مطمع في معرفته يقيناً، إلا ببرهان عقلي، أو بتواتر خبر، أو سمعٍ قاطع، ولا مجال لبرهان العقل في هذا، ولم ينقل تواتر، ولا فيه سمع قاطع، فلم يبق إلا رجم الظن في أمرٍ لا يرتبط به تعبدٌ عملي، ولا ترهق إلى اعتقاده حاجةٌ، فالخوض فيه إذاً فضولٌ لا أصل له".
وقال أيضاً: "فإن هذه أصول الأحكام، فلا ينبغي أن تثبت إلا بقاطع".
ولذلك لا يقبل الإمام الغزالي خبرَ الواحد في الاحتجاج على مسائل أصول الفقه، حيث قال: "هذه أخبار آحاد، وكما لا يثبت القياس وخبر الواحد إلا بدليل قاطع، فكذلك هذا، لأنه أصل من الأصول".
وعند الكلام عن نقل الإجماع وذكر اشتراطه للتواتر في نقله قال: "والسر فيه أن الإجماع دليل قاطعٌ يحكم به على الكتاب والسنة المتواترة، وخبر الواحد لا يقطع به، فكيف يثبت به قاطع؟ ".
ولما ذكر بعض الآيات القرآنية التي تثبت حجية الإجماع، لم يوافق على الاستدلال بها، قال: "فهذه كلها ظواهر لا تنص على الغرض، بل لا تدل أيضاً دلالة الظواهر".
وعند الكلام عن مسألة الفعل الواحد بالعين وفرع عليها مسألة الصلاة في الدار المغصوبة قال:
"فإن قيل: هذه المسألة اجتهادية أم قطعية؟
قلنا: هي قطعية، والمصيبُ فيها واحد".
ومثال ذلك: أنه رد الاستدلال بخبر "الإيمان بضع وسبعون شعبة" على تسمية إماطة الأذى إيماناً بقوله: "هذا من أخبار الآحاد، فلا تثبت به مثل هذه القاعدة".
وهذا المنهج في الأصول عند الإمام الغزالي له أثر واضح في تبني الآراء الأصولية.
ومن أمثلة ذلك: أنه عندما رجح أن دلالة الأمر إنما هي لمطلق الطلب، وليست للوجوب، قال عند مناقشة حجج الخصوم: "الشبهة الثالثة: تمسكهم من جهة السنة بأخبار آحاد، لو كانت صريحة صحيحة لم يثبت بها مثل هذا الأصل".
وكذلك عندما رجح عدم الأخذ بمفهوم المخالفة قال: "إن إثبات زكاة السائمة مفهوم، أما نفيها عن المعلوفة اقتباساً من مجرد الإثبات لا يعلم إلا بنقل من أهل اللغة متواتر أو جاري مجرى التواتر .. أما نقل الآحاد فلا يكفي، إذ الحكم على لغة ينزل عليها كلام الله تعالى بقول الآحاد، مع جواز الغلط، لا سبيل إليه".
وعند كلامه عن أدلة من احتج بشرع من قبلنا قال: "والمختار أن جميع هذه الأقسام جائزٌ عقلاً، لكن الواقع منه غير معلوم بطريقٍ قاطع، ورجم الظن فيما لا يتعلق به الآن تعبد عملي لا معنى له".
وتكاد تكون أغلب ترجيحاته الأصولية وآرائه التي اختارها محكومة بهذا المنهج العام.
نقلا عن بحث لأحد طلبة العلم في المسألة
ـ[الحراني]ــــــــ[12 - 05 - 09, 04:52 ص]ـ
بسم الله الرحمان الرحيم السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته شكر الله شيخنا الفاضل سعيد بيهي على مساهمته القيمة في هدا المنتدى ونسال الله سبحانه وتعالى ان يجعل هده الرسالة في ميزان حسناته انه ولي دالك والقادر عليه وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه اجمعين والحمد لله رب العالمين
ـ[السيد زكي]ــــــــ[12 - 05 - 09, 05:02 ص]ـ
اللهم اجزه خيرا وانفع بها