ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[05 - 07 - 07, 08:14 ص]ـ
لمعرفة حقيقة رأي ابن تيمية في المجاز لا بد من الرجوع إلى جذر المسألة. والجذر في تصورنا هو رأي شيخ الاسلام في اللغة الطبيعية
قال ابن تيمية في كتاب الايمان:
"فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا يَدَّعِيهِ هَؤُلَاءِ مِنْ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ مِنْ جَمِيعِ الْقُيُودِ؛ لَا يُوجَدُ إلَّا مُقَدَّرًا فِي الْأَذْهَانِ لَا مَوْجُودًا فِي الْكَلَامِ الْمُسْتَعْمَلِ. كَمَا أَنَّ مَا يَدَّعِيهِ الْمَنْطِقِيُّونَ مِنْ الْمَعْنَى الْمُطْلَقِ مِنْ جَمِيعِ الْقُيُودِ لَا يُوجَدُ إلَّا مُقَدَّرًا فِي الذِّهْنِ لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ شَيْءٌ مَوْجُودٌ خَارِجٌ عَنْ كُلِّ قَيْدٍ."
يقيم الشيخ تمييزا واضحا بين اللغة المقدرة في الذهن واللغة الحقيقية المتداولة بين الناس ...
والتنبيه على ادعاء المنطقيين في هذا السياق فيه إشارة إلى أن سبب فساد التصور الشائع للغة عند بعض اللغويين والأصوليين هو اتباعهم سبيل المناطقة ... فكأن شر هؤلاء المناطقة كان لازما ومتعديا معا:
لازما إذ أفسدوا المعنى وهو مجال اختصاصهم.
ومتعديا لأن أهل اللغة والأصول تأثروا بهم وساروا على نهجهم فوقع الفساد في تصور اللفظ أيضا. ..
لكن ماذا يقصد الشيخ بقوله:
"اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ مِنْ جَمِيعِ الْقُيُودِ؛ لَا يُوجَدُ إلَّا مُقَدَّرًا فِي الْأَذْهَانِ لَا مَوْجُودًا فِي الْكَلَامِ الْمُسْتَعْمَلِ."؟
للجواب على السؤال نمهد بسؤال آخر:
مم تتألف اللغة الطبيعية في نظر شيخ الإسلام؟
الجواب: تتألف من جمل ...
والجملة هي أصغر وحدة في بناء اللغة!!
بهذا التصور تجاوز ابن تيمية عصره بقرون وسبق الأروبي فتجنشتين والأمريكي تشومسكي وهما عند الغربيين صاحبا أكبر ثورتين في مجال الدراسات اللغوية والمنطقية.
كان التصور السائد للغة في عصر ابن تيمية هو التصور الموروث عن المعلم الاول أرسطو القائم على منهج "التقشير "المنطقي:
"جرد وقشر حتى تصل إلى المكون البسيط ... "
وطبقت المنهجية على اللغة، فانتهى التجريد إلى ثلاث وحدات:هي الاسم والفعل والأداة ... ولم يسمحوا للتجريد أن ينزل إلى مستوى الحروف والأصوات لأن اعتبارهم كان للمعنى وليس للمادة الصوتية ... فأصغر وحدة دالة هي كلمة"شجرة"مثلا ولا يلتفت إلى حروفها"ش-ج-ر-ه" فهي عاطلة من المعنى في ذاتها.
اللغة في نهاية المطاف تتكون من كلمات مصنفة ضمن ثلاث مقولات .. وكل كلمة مستقلة بذاتها في معناها ودلالتها وعندما تدخل في التركيب فهي تدخل فيه وهي ملأى بمعنى سابق ... لأنه لابد لكل كلمة من دلالة على معنى ما ... فلا مناص إذن من افتراض نظرية "الوضع "ولا مناص من نظرية رديفة هي " المجاز".!!
لكن لابن تيمية تصورا آخر:
لا مانع عنده من أن تكون اللغة مكونة من كلمات، ولكن بالاصطلاح الشرعي المتقدم لا باصطلاح المتأخرين من النحاة والأصوليين والمناطقة ...
فالكلمة شرعا هي المطابق ل"الجملة" في اصطلاح هؤلاء.
والحرف شرعا هو المرادف ل"الكلمة" في اصطلاح هؤلاء.
وكأن اصطلاح المتأخرين هو دائما زائد في المرتبة على اصطلاح الشرع.
قال الشيخ:
وَكَذَلِكَ حَيْثُ وُجِدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بَلْ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ نَظْمِهِ وَنَثْرِهِ لَفْظُ كَلِمَةٍ؛ فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْمُفِيدُ الَّتِي تُسَمِّيهَا النُّحَاةُ جُمْلَةً تَامَّةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إنْ يَقُولُونَ إلَّا كَذِبًا}. وقَوْله تَعَالَى {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا}. وقَوْله تَعَالَى {تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}. وَقَوْلِهِ: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ}. وَقَوْلِهِ: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا}. وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ} وَقَوْلِهِ " {كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ
¥