تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ونهج الإمام الشافعي في كتابة منهجاً نظرياً عقلياً، فلم يلتزم بمنهج أهل الحديث ولا بمنهج أهل الرأي، بل نظر في مناهج المجتهدين، فلاحظ أنها تحتاج إلى تقويم وتحقيق.

وبما أنه –رحمه الله– كان يتمتع بعقلية نادرة وملكة عالية في الاجتهاد، فقد

وضع القواعد والقوانين التي عدها مثالية يمكن لأصحاب جميع المناهج الرجوع إليها عند الاختلاف.

وبتأليف الإمام الشافعي كتاب الرسالة، فتح الطريق أمام العلماء للمزيد من الدراسة والبحث في تحرير القواعد الأصولية، فألف كثير من العلماء بعده في هذا العلم من مختلف المذاهب الإسلامية.

ويلاحظ إلى الموضوعات التي بحثها الأصوليون أنها تتفق في الغالب من حيث بحث الأدلة المتفق عليها والمختلف فيها، ومباحث الحكم الشرعي، وطرق الاستنباط، وتفسير النصوص، والاجتهاد وشروطه.

إلا أن الاختلاف حصل في كيفية تناول هذه الموضوعات من حيث المنهجية، فكان منهج العلماء في التأليف أولاً ينقسم على منهجين:

أولها: منهج المتكلمين.

ثانيها: منهج الحنفية.

ثم ظهر بعد ذلك منهج ثالث جمع بينهما، سمي (طريقة المتأخرين)، كما ظهر بعد ذلك منهج خاص في مقاصد الشريعة، ألف فيه الإمام الشاطبي كتابه (الموافقات).

منهج المتكلمين:– قام هذا المنهج على تقرير القواعد الأصولية وفق أساس نظري وطبيعة منطقية عقلية، استنادا إلى الأدلة النقلية والعقلية دون التأثر بفروع فقهية لمذهب معين، اقتداء بمنهج الإمام الشافعي في الرسالة، وقد ألف على هذه الطريقة علماء من مختلف المذاهب الإسلامية، واهتموا إلى جانب تحقيق القواعد الأصولية ببحث مسائل إضافية من علم الكلام والمنطق والفلسفة، كما اكثروا من الجدل والمناظرة ولم يعيروا اهتماما للفروع إلا على سبيل التمثيل.

منهج الحنفية:– يقوم منهج الحنفية على الاستقراء والنظر في الفروع الفقهية المروية عن أئمة المذهب، ووضع القواعد الأصولية التي تبين مسلك أولئك الأئمة في الاجتهاد، وعلى ضوء هذه القواعد والقوانين، يمكن للمجتهدين فيما بعد استنباط الأحكام الشرعية للوقائع المستجدة التي لم ينص عليها الأئمة المتقدمون.

وقد عد علماء الحنفية هذه القواعد خاضعة للفروع الفقهية، لذلك جاءت بعض قواعدهم التي لا تدخل فيها بعض المسائل الفقهية مضاف إليها قيد أو شرط لتشمل القاعدة تلك المسائل.

والهدف من وراء ذلك كله الدفاع عن فقه الأئمة وأنهم كانوا قد لا حظوا هذه القواعد في استنباط الأحكام الشرعية.

وعلى هذا الأساس قال أبو الحسن الكرخي –رحمه الله–: (كل خبر يجيء بخلاف قول أصحابنا فإنه يحمل على النسخ، أو على أنه معارض بمثله ثم صار إلى دليل آخر أو ترجيح فيه بما يحتج به أصحابنا من وجوه الترجيح، أو يحمل على التوفيق، وإنما يفعل ذلك على حسب قيام الدليل، فإن قامت على النسخ يحمل عليه، وإن قامت الدلالة على غيره صرنا إليه).

وقد أكثر العلماء الذين ألفوا وفق هذا المنهج من الفروع الفقهية، لأنها في الحقيقة هي الأصول لتلك القواعد، وإن كانوا يذكرونها على جهة التفريع والبناء على القواعد الأصولية.

حتى صارت الكتب الأصولية الحنفية تشبه الكتب الفقهية، ومما يمتاز به هذا المنهج أنه أمسّ بالفقه وأليق بالفروع كما قرر ابن خلدون، لكثرة الأمثلة فيه والشواهد، وبناء المسائل على النكت الفقهية.

منهج المتأخرين:– اهتم علماء هذا المنهج بالجمع بين منهج الحنفية ومنهج المتكلمين، وذلك بتقدير القواعد الأصولية، مع الاهتمام بالفروع الفقهية، وقد بدأت هذه الطريقة في أواخر القرن السابع الهجري.

منهج الشاطبي في مقاصد الشريعة:– اهتم الإمام الشاطبي بمقاصد الشريعة وبيان أسرار التشريع، فأعطى هذه المقاصد شمولا كبيرا، حتى عدها أصل أصول الشريعة، وجعل من مراتبها الثلاث: الضروريات والحاجيات والتحسينيات، القطب الذي تدور حوله كل مقاصد الشريعة، وبذلك يعد المؤسس الحقيقي لمباحث مقاصد الشريعة، وإن نسبته إليها كنسبة الإمام الشافعي إلى أصول الفقه.

المطلب الثاني

عمل الفقيه وعمل الأصولي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير