تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثامن: أطلق المفصلون بأن النهي يقتضي الفساد في العبادات دون العقود , ولم يتعرضوا لغيرهما , وزاد ابن الصباغ في العدة " الإيقاعات وألحقها بالعقود , ومراده بها الطلاق المحرم كطلاق الحائض , وكإرسال الثلاث جميعا على قاعدة الحنفية في أنه محرم , وكذلك العتق المنهي عنه إذا قلنا بنفوذه , وكذلك الوطء المحرم كالوطء في الحيض , فإنه يحصل به الدخول , ويكمل به المهر. ولهذا أشار ابن الحاجب بقوله في الإجزاء دون السببية فأتى بالسببية ليشمل العقود والإيقاعات , وهي زيادة حسنة , لكن يرد عليها أنه جعل هذا قولا ثالثا مفصلا بين طرفين فاقتضى أن يكون القول الأول الذي اختاره شمل هذه الصور , ويكون النهي عنهما يدل على فسادها , وأنه اختاره , وليس كذلك فقد تقدم الإجماع على وقوع الطلاق في الحيض , وإرسال الثلاث , وخلاف الظاهرية والشيعة غير معتد به.

التاسع: أن محل الخلاف في مطلق النهي ليخرج المقترن بقرينة تدل على الفساد لجواز أن يكون دالا على المنع لخلل في أركانه أو شرائطه , أو يقترن بقرينة تدل على أنه ليس للفساد نحو النهي عن الشيء لأمر خارج عنه كما في المنهيين ولا خلاف فيه , وإن أشعر كلام بعضهم بجريان خلاف فيه فهو غير معتد به ; إذ يمتنع أن يكون له دلالة على الفساد مع دلالته على اختلال أركانه وشرائطه. قلت: كلام ابن برهان يقتضي جريان الخلاف فيه , ومثال ما فيه قرينة الفساد قوله صلى الله عليه وسلم: {لا تزوج المرأة المرأة , ولا تزوج المرأة نفسها , فإن الزانية [ص: 398] هي التي تنكح نفسها} رواه ابن ماجه والدارقطني من عدة طرق , فإن الجملة الأخيرة منه تقتضي أن ذلك إذا وقع يكون فاسدا فلا يتوجه فيه خلاف ألبتة , وكذلك نهيه عن بيع الكلب , وقال فيه: {إن جاء وطلب ثمنه فاملأ كفه ترابا} رواه أبو داود بإسناد صحيح , وكذلك نهيه عن الاستنجاء بالعظم أو الروث , وقال: (إنهما لا يطهران) رواه الدارقطني وصححه , وكذلك النهي عن نكاح الشغار فإنه للفساد. وقد نقل النهي عن الشافعي. توجيهه أن النساء محرمات إلا بما أحل الله من نكاح أو ملك يمين , فلا يحل المحرم من النساء بالمحرم من النكاح. ومثال ما فيه قرينة الصحة حديث: {لا تصروا الإبل والغنم , فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها} فإن إثبات الخيار فيه قرينة تقتضي أن البيع قد انعقد ولم يقتض فسادا , وكذلك نهيه عن بيع الركبان , وإثبات الخيار لصاحبه إذا ورد السوق , وكذلك النهي عن الطلاق في الحيض لما فيه أمر بالمراجعة دليل على أنه واقع.

العاشر: لم يتعرضوا لضبط الفرق بين المنهي عنه لنفسه أو غيره , وقال [ص: 399] ابن السمعاني في " الاصطلام " في مسألة صوم يوم العيد: يمكن أن يقال: إن النهي عن الشيء إذا كان لطلب ضده فيكون النهي عن نفس الشيء , وإذا لم يكن لطلب فلا يكون في نفسه منهيا عنه. قال: وعلى هذا تخرج المسائل بالنهي عن الصلاة في الأرض المغصوبة ليس لطلب ضدها , وهو ترك الصلاة , وكذلك البيع في وقت النداء حتى لو اشتغل بشيء غير البيع كان منهيا عنه , ولو باع وهو يسعى لم يكن منهيا عنه , وكذا النهي عن الطلاق في الحيض لم يكن لطلب ضده , وهو بقاء النكاح حالة الحيض. ألا ترى أنه لو طلق وهي طاهر , ثم حاضت فلا نكاح , والحيض موجود؟ وكذلك النهي عن الإحرام مجامعا , وغير ذلك , بخلاف النهي عن صوم يوم العيد ونكاح المحارم وغيره. قلت: وبذلك صرح القاضي الحسين في باب النذر من " تعليقه " فقال: كل نهي يطلب لضد المنهي عنه فهو لعينه , كصوم يوم العيد , وكل نهي لم يكن لطلب ضد المنهي عنه لم يكن لعينه كالصلاة في الدار المغصوبة.

والحق: أن الأصل في النهي رجوعه لمعنى في نفسه ولا يحكم فيه بتعدد الجهة إلا بدليل خاص فيه ; لأن حقيقة قول الشارع: حرمة صوم يوم النحر يحرم إمساكه مع النية لا يفهم منه عند إطلاقه سواه , فمن أراد صرف التحريم عن الحقيقة إلى أمر خارج احتاج إلى الدليل , ولهذا قطع الشافعي ببطلانه ; إذ لم يظهر صرف التحريم إلى أمر خاص بدليل خاص وقطع بصحة الطلاق في زمن الحيض [لانصراف التحريم عن الحقيقة] إلى أمر خارج وهو تطويل العدة , أو لحوق الندم عن الشك في وجود الولد لدليل دل عليه وكذا قطع ببطلان نكاح المحرم ولم يلحظ المعنى الخارج من كونه مقدمة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير