تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال علي: فهذا الحديث أعمُّ مِن الآية، وزائد على ما فيها، فوَجَبَ الأخذ به، ووجب أنَّ كل ما كان بعد ذوق العُسيلة، مما يَبْطُل به النكاح، فهي به حلالٌ رجوعها إلى الزوج المطلِّق ثلاثا؛ لأنه صلى الله علهي وسلم إنما جعل الحكمَ الرافع للتحريم ذوقَ العُسيلة في النكاح الصحيح، فإذا ارتفع بذلك التحريم، فقد صارت كسائر النساء، فإذا خلت مِن ذلك الزوج بفسخ أو وفاة أو طلاق كان لها أنْ تَنْكِحَ مَنْ شاءت مِنْ غير ذوي محارمها، ولم يشترط النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعد ذوق العُسيلة طلاقا، مِنْ فسخ، مِن وفاة، وأيقنَّا أنه صلى الله عليه وسلم لم يُبِحْها للزوج الأول، وهي بعدُ في عصمة الزوج الثاني، ولا خلافَ بين أحد في ذلك.

وأما طلاق الذِّمِّي وسائر الكفار: فليس طلاقا، لأنَّ كل ما فَعَلَ الكافرُ، وقال - غيرَ اللفظ بالإسلام - فهو باطلٌ مردود، إلا ما أوجب إنفاذَه النصُّ أو الإجماع المتيقَّن المنقول، أو أباحه له النص أو الإجماع، كذلك فإذا لَفَظَ بالطلاق فهو لغوٌ؛ لأنه لا نصَّ ولا إجماعَ في جواز طلاقه، فليس مُطَلِّقا وهو بعد في عِصمته؛ لصحة نكاحهم بالنص مِنْ إقرار النبي صلى الله عليه وسلم للكفار، لما أسلموا مع نسائهم، على نكاحهم معهن؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم مِنْ ذلك النكاح خلق، وقد علمنا أنه صلى الله عليه وسلم مخلوقٌ مِنْ أصح نكاح، ولا يَحِلُّ لمُسْلِمٍ أنْ يَمُرَّ بباله غيرُ هذا.

ولم يمنع تعالى في الآية مِنْ إباحة رجعتها بعد وفاة الزوج، أو فَسْخِ نكاحه، وإنما ذكر تعالى الطلاقَ، فقط، وعمَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بإجمالِ لفظه الطلاق وغيره، وقد كان يَلْزَمُ مَنْ قال بذلك الخطاب منهم ألا يبيحها إلا بعد الطلاق لا بعد الفسخ والوفاة، فهذه الآية حجة عليهم لا لهم، وبالله تعالى التوفيق."

قال أبو عبد الرحمن المدني: تَعَقَّبَ التهانوي في إعلاء السنن قول ابن حزم في هذه المسألة، وقال: إنه لا دلالة في الحديث على أنه يشترط شيء آخر للرجوع مِنْ طلاق أو فسخ أو موت بعد ذوق العسيلة، وإنما يُعْلمُ هذا الاشتراط مِن الآية، ولكنه ليس فيه ذكر لغير الطلاق، فلا يعلم هنا حكم الفسخ والموت إلا بالقياس، نعم يثبت ذلك مِنْ الإجماع، إلا أنه لمَّا لم يكنْ حكمُ الفسخ والموت منصوصا في الكتاب والسنة، فلا يكون مبنى الإجماع إلا بالقياس، فلا يفيدهم وجود الإجماع أيضاً، لأنَّ هذا الإجماع مُثْبِتٌ للقياس لا نافٍ له.

وبه يندفع كثير مِن الأجوبة التي يحتجُّ فيها ابنُ حزم بالإجماع يقول: لم نقل لهذا الحكم بالقياس، بل بالإجماع" لأنَّا لا ننكر الإجماع، بل نقول: إنَّ أهلَ الإجماع هل قالوا ذلك قياساً أو بالنص؟ على الأول يثبت المطلوب، وعلى الثاني يطالبون بإبداء النص، وليس عندهم."

قال أبو عبد الرحمن المدني:

في جواب التهانوي مِثالٌ حاضِر، على: أنَّ أكثر المستدركين على أهل الظاهر لم يَخْبُروا كنهَ أهل الظاهر، ولم يُعالِجوا أصوله، فالتهانوي هنا أخطأ مرتين:

الأولى: في اعتباره أنَّ ابن حزم إنما بنى الحكمَ على الإجماع، مع أنَّ ابن حزمٍ قد صرَّحَ في صدر كلامه- وهو محلٌ لا يخفى - أنه بناه على الإجماع المتيقَّن، وعلى "النص الصحيح الذي عنه تمَّ الإجماع"

الثاني: أنه غَفَل عن النصِّ الذي احتجَّ به ابنُ حزم في المسألة، وغَفَلَ كذلك عن الطريقة التي احتجَّ بها ابنُ حزم، وهي ما يسميها أهلُ الظاهر "الدليل".

وبيان هذا: أنَّ التهانوي ادَّعى أنه لا نص في المسألة، وألزم حينئذٍ ابنَ حزم أنْ يبني إجماعَه على القياس، بينما يقول ابن حزم: إنَّ في المسألة نصاً، ثم استخرجه بطريقة أهل الظاهر، أعني "الدليل"، فابن حزم يقول: نعم، ليس في الحديث سوى ذكر العُسيلة، لكن هل يجوز أن تتزوَّج الثاني بعد العُسيلة، وهي مازالت بعد في عصمة الأول؟ الجواب: لا، بلا خلافٍ مِنْ أحد، فعُلِم ضرورةً بدلالة النصوص القاطعة والقاضية أنه لا يجوز للمرأة أنَّ تتزوَّج، وهي مازالت في عصمة الأول، كما عُلِمَ بالإجماع الضروري الواقع في هذه المسألة: أنَّ المقصود ما كان مِنْ فراقٍ بعد ذوقِ العُسيلة.

هذا هو مأخذ ابن حزم، واستدلاله مِن النص، ومنه أخذ العمومَ الذي اتَّكَأَ عليه، فلو أنَّ التهانوي أتى إلى هذا القدر مِنْ النص، وأبطل فيه طريقة ابن حزم، ومأخذه في المسألة، لكانَ له أنْ يقول: إنَّ ابن حزم مضطرٌ إلى القياس، أمَّا وقد جاوزه، فلا تعدُ المسألة حينئذٍ أنْ تكونَ مُجرَّد دعوى.

ـ[صيدلي محمد أمين]ــــــــ[28 - 08 - 07, 02:07 م]ـ

أخي الفاضل أبو عبدالرحمن المدني أنت تقول: (تتبعتُ المواضع التي ادعي فيهاأن ابن حزم رحمه الله وقع فيها في القياس، فتبين لي أن غالب هؤلاء لم يدركوا تفاصيل أصول أهل الظاهر)

نحن نريدك يا أخي الفاضل أن تشرح لنا كيف هم لم يدركوا تفاصيل أصول أهل الظاهر!!

وما هي هذه التفاصيل؟؟!!

أما كون ابن حزم (رحمه الله) يوافق الجمهور في كثير من المسائل التي استنبطوها بالقياس لكنه لا يسمي ذلك قياسا؛ إنما يتكلف في استنباطها من الدليل الذي قاسوا عليه أو دليل آخر، فمن المعلوم أن هذه طريقة ابن حزم!

فما الجديد في ذلك؟؟

فهل تقصد ب (تفاصيل أصول أهل الظاهر) هو أنهم يسمونه (دليلا) ولا يسمونه قياسا؟؟!!

اشرح لنا يا أخي الفاضل هذه التفاصيل؛ حتى نستفيد منها؛ إن كان ثمة جديد عندك!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير