وقال أيضاً –رحمه الله-: كما ان الإجماع حجة على هذه الأمة حجة على التي تليها أي أهل العصر الثاني وفي أي عصر كان.
انقراض عصر المجمعين:-
رجح إمام الكاملية –رحمه الله- القول بعدم اشتراط انقراض عصر المجمعين، وقال: ولا يشترط في انعقاد الإجماع وكونه حجة انقراض أهل العصر من المجمعين بموتهم، على الصحيح، فلو اتفقوا ولو حيناً لم يجز لهم ولا لغيرهم مخالفته، لأن دليل السمع عام يتناول ما انقرض عصره وما لم ينقرض، ولو في لحظة واحدة مطلقاً غير مقيد بانقراض العصر (انظر: شرح الورقات: 197. وقال الإمام الغزالي في المستصفى: 1/ 192: إن الحجة في اتفاقهم لا في موتهم وقد حصل قبل الموت). .
وهو بذلك يوافق ما ذهب إليه الجمهور وهم أكثر أصحاب الشافعي وأبي حنيفة والأشاعرة والمعتزلة، (انظر: المعتمد: 2/ 42. والبحر المحيط: 4/ 510).
ونقل إمام الكاملية الرأي المخالف وأورد عليه بعض الاعتراضات وقال: قيل: يشترط، أي انقراض عصر المجمعين، فإن قلنا انقراض العصر شرط يعتبر قول من ولد في حياتهم وتفقه وصار من أهل الاجتهاد، في انعقاد الإجماع، فإن خالف لم ينعقد إجماعهم على هذا القول، وهذا القول ذهب إليه الإمام أحمد وجماعة من المتكلمين منهم الأستاذ أبو بكر بن فورك، وابن حزم الظاهري، ونقل الإمام السرخسي عن الإمام الشافعي t أن انقراض العصر شرط لثبوت حكم الإجماع، (انظر: الإحكام لابن حزم: م1، ج4/ 152،و أصول السرخسي: 1/ 315،و إرشاد الفحول: 84،و شرح الورقات: 198).
الإجماع السكوتي:-
هو أن يقول بعض أهل الاجتهاد بقول وينتشر ذلك بين المجتهدين من أهل ذلك العصر فيسكتون ولا يظهر منهم إقرار ولا إنكار، (انظر: إرشاد الفحول: 84).
وقال إمام الكاملية: والإجماع يصح بقول البعض من أهل الإجماع، وبفعل البعض الآخر، وانتشار ذلك القول أو الفعل من البعض، وسكوت الباقين من المجتهدين عنه مع معرفتهم به، ولم ينكره أحد منهم، ولم يكن بعد استقرار المذاهب بل قبله وهو عند البحث عن المذاهب والنظر فيها، وأن يمضي زمن يمكن النظر فيها عادة، وأن تكون الواقعة في محل الاجتهاد، ويسمى ذلك بالإجماع السكوتي، (انظر: شرح الورقات: 199).
ونقل إمام الكاملية في شرحه للورقات المذاهب في الإجماع السكوتي وأورد عليه بعض الاعتراضات، وقال: اختار البيضاوي أن الإجماع السكوتي ليس بإجماع ولا حجة، واختاره القاضي نقلاً عن الإمام الشافعي وقال إنه آخر أقواله، وهو الظاهر من مذهب الإمام الجويني، وقال الغزالي: نصّ عليه في الجديد، واختاره الإمام الرازي، وإلى ذلك ذهب داود الظاهري، وعيسى بن أبان، (انظر: أصول السرخسي: 1/ 303 - 304،و إرشاد الفحول: 84،و شرح الورقات: 200).
أما استدلال الشافعي t بالإجماع السكوتي في مواضع كأنه يوجد سؤال محذوف تقديره هو: أن الشافعي استدل بالإجماع السكوتي في مواضع فلماذا تقولون إنه ليس بحجة ولا إجماع؟ فقال ابن التلمساني: إن ذلك في وقائع قد تكررت كثيراً بحيث تنفي جميع الاحتمالات.
وأجيب أيضاً: بأن تلك الوقائع ظهرت من الساكتين فيه قرينة الرضا، فليست من محل النزاع كما ادعى الاتفاق على ذلك الروياني والقاضي عبد الوهاب، (انظر: شرح الورقات: 200،والبحر المحيط: 4/ 497). .
وقال الرافعي: إن كونه حجة هو المشهور، وبأنه حجة وإجماع، قاله الإمام أحمد وأكثر أصحاب أبي حنيفة، وهو المشهور عن أصحاب الشافعي، وقال الزركشي: إن الإجماع السكوتي إجماع ليس بحجة، وقال الشيرازي إنه المذهب، وقال الروياني إنه حجة، والأكثر على أنه يكون إجماعاً وبذلك قال أكثر المالكيين وبه قال الجبائي والقاضي أبو الطيب والكرخي والدبوسي وابن السمعاني، (انظر: المعتمد: 2/ 65. والتبصرة للشيرازي: 392. وأصول السرخسي: 1/ 305، والتمهيد لأبي الخطاب: 3/ 323، والإحكام للآمدي: 1/ 187، والبحر المحيط: 4/ 494،وشرح لورقات:202ومابعدها).
قول الصحابي - رضي الله عنه-:
إن إمام الكاملية قد فصّل القول في هذه المسألة، فقال: وقول الواحد من الصحابة إذا كان عالماً ليس بحجة على غيره على القول الجديد، لإجماع الصحابة على جواز مخالفة بعضهم بعضاً، ولو كان قول بعضهم حجة لوقع الإنكار على من خالفه منهم، وإذا جاز مخالفة كل واحد منهم لهم، فيجوز لغيرهم أيضاً مخالفة كل واحد منهم عملاً بالاستصحاب.
¥