وقد فصّل القول الإمام الشوكاني وقال: وأما الأصولي الماهر المتصرف في الفقه ففي اعتبار خلافه في الفقه وجهان حكاهما الماوردي، وذهب القاضي إلى أن خلافه معتبر، قال الجويني: وهو الحق، وذهب معظم الأصوليين ومنهم أبو الحسين بن القطان إلى أن خلافه لا يعتبر لأنه ليس من المفتين ولو وقعت له واقعة لزم أن يستفتي المفتي فيها، وقال الكيا: والحق قول الجمهور لأن من احكم الأصلين فهو مجتهد فيهما، (انظر: إرشاد الفحول: 88) ..
ورجح إمام الكاملية أن العدالة ليست شرطاً يجب توافره في المجمعين، قال: وعلم منه اختصاصه بالعدول إن كانت العدالة ركناً في الاجتهاد، وعدم الاختصاص بهم إن لم تكن ركناً، وهو الأصح، (انظر: شرح الورقات: 191). .
وقال الأنصاري في كتابه (فواتح الرحموت): لا يشترط عدالة المجتهد في الإجماع، فيتوقف على غير العدل في مختار الآمدي والغزالي، لأن الأدلة الدالة على حجية الإجماع مطلقة عن تقييد الأمة بكونها عدلاً فاعتبار إجماع العدول مع مخالفة الفاسق لا مدرك له شرعاً، وكل حكم لا مدرك له شرعاً وجب نفيه.
أما ما ذهب إليه الجمهور فهو اشتراط العدالة في المجمعين وهو ما نقله محب الله بن عبد الشكور في كتابه (مسلم الثبوت)، وقال: الجمهور شرطوا العدالة وهو الحق لأن قول الفاسق واجب التوقف فلا دخل له في الحجية، ولأن في حجية الإجماع حقيقة التكريم لأهله، والفاسق لا يستحق التكريم، (انظر: المستصفى بحاشيته: 2/ 218).
ورجح –رحمه الله- عدم اشتراط التواتر في المجمعين، وقال: لا يشترط في المجمعين عدد التواتر لصدق المجتهدين، وهو الأصح، (انظر: شرح الورقات: 192).
وبه قال أبو الحسين البصري، والإمام الجويني، والإمام الغزالي، والآمدي، وهو ما صححه الزركشي.
وقد خالف ذلك ابن الحاجب، وطائفة من المتكلمين منهم القاضي الباقلاني حيث جعلوا التواتر شرطاً من شروط المجمعين، (انظر: المعتمد للبصري: 2/ 535،و البرهان: 1/ 691،والمنخول: 313 - 314،والإحكام للآمدي: 1/ 185،وإرشاد الفحول: 89 - 90،ومنتهى الوصول والأمل: 42،والإحكام للآمدي: 1/ 186، وإرشاد الفحول: 89).
وقال -رحمه الله-: اعلم أنه إذا لم يكن في العصر إلا مجتهد واحد لم يحتج به، إذ أقل ما يصدق به اتفاق المجتهدين اثنان، وهو القول الذي ذهب إليه الجمهور.
وقال أبو إسحاق الإسفراييني: إن الواحد حجة، وقال بعضهم لا خلاف في أنه ليس بإجماع، (انظر: شرح الورقات: 192،ونهاية السول، للأسنوي:2/ 237،والبحر المحيط: 4/ 516،وشرح الكوكب المنير: 2/ 253).
خلاف التابعي هل يعتد به في الإجماع:-
ذكر إمام الكاملية –رحمه الله- أن التابعي المجتهد في وقت الصحابة معتبر معهم، وبعبارة أخرى، أن التابعي إذا أدرك عصر الصحابة وهو من أهل الاجتهاد لم ينعقد إجماعهم إلا به، كما حكاه جماعة منهم القاضي أبو الطيب الطبري والشيخ أبو إسحاق الشيرازي وابن الصباغ وابن السمعاني وأبو الحسن السهيلي، وقال القاضي عبد الوهاب إنه الصحيح ونقله السرخسي عن أكثر أصحابه (انظر: المعتمد: 2/ 33، وأصول السرخسي: 2/ 114، وإرشاد الفحول: 81،و شرح الورقات:193).
وقال جماعة: أنه لا يعتبر المجتهد التابعي الذي أدرك عصر الصحابة في إجماعهم، وهو مروي عن إسماعيل بن علية، وحكاه الباجي عن ابن خويز منداد، واختاره ابن برهان.
وقيل: إن بلغ التابعي رتبة الاجتهاد في عصر الصحابة، ثم وقعت حادثة فأجمعوا عليها، وخالفهم لم ينعقد إجماعهم، وإن أجمعوا قبل بلوغه رتبة الاجتهاد فمن اعتبر انقراض العصر اعتد بخلافه، ومن لم يعتبره لم يعتد بخلافه.
وقال القفال: إذا عاصرهم وهو غير مجتهد، ثم اجتهد ففيه وجهان: - يعتبر ولا يعتبر – قال بعضهم إنه إذا تقدم الصحابة على اجتهاد التابعي فهو محجوج بإجماعهم قطعاً، (انظر: إرشاد الفحول: 81). .
خصوصية الإجماع:-
بيّن إمام الكاملية –رحمه الله- أن إجماع هذه الأمة حجة دون غيرها من الأمم، لقوله r : ( لا تجتمع أمتي على ضلالة)، (سنن الترمذي: 4/ 466، برقم (2167)،و شرح الورقات: 195 - 197) ..
والشرع ورد بعصمة هذه الأمة للحديث السابق ولقوله تعالى:} وكذلك جعلناكم أمة وسطاً {(سورة البقرة، الآية: 143)، ونحو ذلك من الكتاب والسنة.
¥