قلت: هذا الحديث في أصح وأشهر كتاب بعد كتاب الله تعالى، ولا يغتر بتعليق الامام البخاري للحديث، فإنه علقه بصيغة الجزم، وإليك كلام علماء هذا الفن في هذا الشأن:
* قال الإمام الحافظ ابن كثير في (شرح اختصار علوم الحديث) في الكلام على التعليقات التي في الصحيحين: " وحاصل الأمر أن ما علقه البخاري بصيغة الجزم فصحيح إلى من علقه عنه، ثم النظر فيما بعد ذلك. وما كان منها بصيغة التمريض فلا يستفاد منها صحة، ولا تنافيها أيضاً، لأنه قد وقع من ذلك كذلك وهو صحيح، وربما رواه مسلم".
قلت: وحديث الملاهي علقه البخاري بصيغة الجزم عن هشام بن عمار ـ وهو شيخه ـ، فلا يغتر برد ابن حزم ـ رحمه الله ـ للحديث بادعاء أنه منقطع.
* وقال ابن كثير أيضاً: " وأنكر ابن الصلاح على ابن حزم رده حديث الملاهي حيث قال فيه البخاري: (وقال هشام بن عمار)، وقال: أخطأ ابن حزم من وجوه، فإنه ثابت من حديث هشام بن عمار.
قلت ـ القائل ابن كثير ـ: حديث الملاهي الذي عناه ابن الصلاح هو الحديث المرفوع (ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) رواه البخاري تعليقاً وهو الذي غر بعضهم فضعف الحديث.
قلت: وقد رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم، قال البخاري: (وقال هشام بن عمار). وإذا طبقنا القاعدة التي وضعها العلماء، وبينها الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ والتي ذكرناها آنفاً (وحاصل الأمر أن ما علقه البخاري بصيغة الجزم فصحيح إلى من علقه عنه).
قلت: وقد علقه البخاري بصيغة الجزم عن هشام بن عمار، فهو صحيح إلى هشام.
قال ابن كثير: ثم النظر فيما بعد ذلك.
قلت: قال ابن الصلاح: " أخطأ ابن حزم من وجوه فإنه ثابت من حديث هشام بن عمار".
* قال الحافظ ابن حجر في الفتح: " وقد تقرر عند الحفاظ أن الذي يأتي به البخاري من التعاليق كلها بصيغة الجزم يكون صحيحاً إلى من علقه عنه ولو لم يكن من شيوخه" اهـ، وذكر الحافظ فوائد عظيمة في هذا الشأن فانظرها هناك.
وفي هذا القدر كفاية، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله الأطهار الطيبين، وعلى أصحابه الغر الميامين وسلم تسليماً كثيراً.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[24 - 10 - 07, 01:17 م]ـ
رقم الفتوى: 63027
عنوان الفتوى: من حكم تحريم الموسيقى والغناء
تاريخ الفتوى: 29 ربيع الثاني 1426
السؤال
ما الحكمة من تحريم الآلات الموسيقية في الأغاني التي تحث على الجهاد أو الأغاني التي تغنى للأم مع أنها لا تثير الشهوة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاستماع إلى الآلات الموسيقية حرام لدلالة الكتاب والسنة على ذلك، فمن أدلة الكتاب قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ {لقمان:6}، قال ابن القيم في إغاثة اللهفان: ويكفي تفسير الصحابة والتابعين للهو الحديث بأنه الغناء، صح ذلك عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم.
ومن أدلة السنة، ما رواه البخاري -تعليقاً- عن أبي مالك أو أبي عامر الأشعري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف. قال الحافظ ابن حجر: والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح.
وذكر القرطبي عند تفسير قوله تعالى: واستفزز من استطعت منهم بصوتك، قال: وصوته كل داع يدعو إلى معصية الله تعالى، عن ابن عباس. مجاهد: الغناء والمزامير واللهو. الضحاك: صوت المزمار.
وأما الحكمة من تحريمه فقد ذكر أهل العلم أموراً منها:
أولاً: أن الاستماع إلى أصوات هذه الآلات وسيلة إلى الزنا، لأنه يحرك كوامن الشهوة في النفس.
ثانياً: أنها تشغل عن ذكر الله، فلا يجتمع في قلب المؤمن حب القرآن وحب كلام الشيطان، كما ذكر بعض أهل العلم.
ثالثاً: أن الغناء ينبت النفاق في القلب.
وقد تكون علة التحريم غير ذلك مما لم يطلع عليه العلماء، لكن على المؤمن أن يجتنب المحرم وينفر منه، سواء علم علة تحريمه أو لم يعلمها، مع الجزم بأن الشريعة لا تحرم إلا ما اشتمل على مفسدة محضة، أو راجحة كالخمر والميتة والقمار والميسر وغير ذلك من المحرمات.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د. عبدالله الفقيه
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[24 - 10 - 07, 01:44 م]ـ
ولإيضاح القضية بمثال: قد اختلف العلماء في علة تحريم الذهب:
فمنهم من قال: علة التحريم الإسراف والخيلاء، ومنهم من قال: العلة كسر قلوب الفقراء والمساكين.
وعلى كل فنحن متعبدون بالانقياد لأحكام الشرع، سواء علمنا علة التحريم، أم جهلناها .. ولا يقاس غير الذهب عليه.
وهنا أمثلة أخرى:
ما العلة من تحريم لعب النرد؟ محل خلاف. وينبني عليه قياس.
لكن هل نقول: ليس حراماً؛ لأن العلة غير واضحة؟! ليس صواباً، بل هذه عين المخالفة.
وما العلة في تحريم أكل لحم الخنزير؟
قال بعضهم: لحم الخنزير مرتع للميكروبات والجراثيم الفتاكة، فجاء آخرون وقالوا: يمكن استخدام حرارة شديدة عند إنضاج لحمه لقتل هذه الدودة والقضاء عليها.
قلت: العلة ليس منصوصاً عليها ولكنها ظنية، فلا ينبغي تجاوز اليقين (تحريمه بنص القرآن) لمظنون. وهكذا الغناء.
وقيل في علة تحريم الخمر: إنها الشدة المطربة الصادة عن ذكر الله المفضية إلى وقوع الفتن والعدواة والبغضاء لتغطيتها على العقل. فما بال الغناء؟!
وليحذر المؤمن من أن يكون مثل الذين قالوا: ((إنما البيع مثل الربا)) فرد الله عليهم: ((وأحل الله البيع وحرم الربا)).
وليحذر أن يكون كحال أعظم المسلمين جرماً: من سأل عن شيء لم يحرم فحرم على الناس من أجل مسألته. كما جاء في الحديث.
قال العلامة الشنقيطي في الأضواء: (فمن المعلوم أن سكوته عن ذكر لفظ عام يحرمه يدل على أنّه عفو منه، فمن حرمه بسؤاله عن علة التحريم وقياسه على المحرم بالنص، كان أدخل في الذم ممن سأله عن حكمه لحاجته إليه، فحرم من أجل مسألته، بل كان الواجب عليه ألا يبحث عنه. ولا يسأل عن حكمه اكتفاء بسكوت الله عن عفوه عنه. فهكذا الواجب عليه ألا يحرم المسكوت عنه بغير النص الذي حرم أصله الذي يلحق به).
¥