2 – ما حكاه الغزالي والآمدي والشاطبي وغيرهم من أن عبد الرحمن بن الحكم وقع على أهله في نهار رمضان فسأل الفقهاء عن توبته من ذلك وكفارته فقال يحيى بن يحيى الليثي: يكفر ذلك صيام شهرين متتابعين فلما برز ذلك من يحيى سكت سائر الفقهاء حتى خرجوا من عنده فقالوا ليحيى: ما لك لم تفته بمذهبنا عن مالك من أنه مخير بين العتق والطعام والصيام؟ فقال لهم: لو فتحنا له هذا الباب سهل عليه أن يطأ كل يوم ويعتق رقبة ولكن حملته على أصعب الأمور لئلا يعود.
فهذه الفتوى مناسبة في الظاهر لكنها غير صحيحة لأنها تخالف النص الصريح وهو حديث أبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - في الصحيحين في الذي وقع على أهله في نهار رمضان.
3 – ومن ذلك ما يظنه بعض الناس من تحقيق مصلحة اقتصادية من تصنيع الخمور وبيعها على غير المسلمين فهذه المصلحة ملغاة لحديث جابر رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ... " الحديث.
ج - المصلحة المسكوت عنها وهي ما سكتت عنها النصوص الخاصة فلم تشهد لها باعتبار ولا بإلغاء وهي نوعان:
النوع الأول: أن يكون هذا المعنى ملائماً لتصرفات الشارع بأن يكون له جنس معتبر في الشرع في الجملة بغير دليل خاص وهذا هو المصلحة المرسلة أو الاستدلال المرسل أو المرسل المعتبر، ومن أمثلته جمع الصحابة للمصحف كما سيأتي، وهذا هو الذي ذكر فيه الخلاف كما سيأتي بيان الخلاف فيه.
النوع الثاني: أن يكون هذا المعنى غير ملائم لتصرفات الشارع وهذا النوع ليس بحجة باتفاق كما ذكر الشاطبي في الاعتصام، وهو ملحق بالنوع الثاني وهو المصالح الملغاة؛ لأنه وإن لم يشهد له نص خاص بالإلغاء إلا أن مجموع النصوص تشهد له بذلك لمخالفته لمقصود الشارع من جهة المعنى.
ومن أمثلته منع المريض مرض الموت من الزواج وفسخ نكاحه إن وقع على تفصيل عند المالكية، فزواج المريض مصلحة لا يشهد لها نص خاص بالاعتبار أوالإلغاء، ولكنها مخالفة لمقصود الشارع؛ لأنه بزواجه أدخل على الورثة وارثاً جديداً وهذا يضر بهم.
ثالثاً: تعريف المصلحة المرسلة وأسماؤها:
تعريفها: (هي كل منفعة لم يشهد لها نص خاص بالاعتبار أو الإلغاء وكانت ملائمة لمقصود الشارع وما تفرع عنه من قواعد كلية)
وتسمى المصلحة المرسلة بـ (المناسب المرسل، والاستصلاح، والاستدلال، والقياس المرسل) ولكل اسم من هذه الأسماء نظر خاص.
رابعاً: الخلاف في حجية المصلحة المرسلة:
أ – تحرير محل النزاع:
أولاً: اتفق العلماء على عدم جواز العمل بالمصلحة المرسلة في باب العبادات؛ لأنها توقيفية تعبدية.
ثانياً: اتفق العلماء على عدم جواز العمل بالمصلحة المرسلة في المقدرات التي لا يعقل معناها كالحدود والكفارات وفروض الإرث ونحوها.
ثالثاً: اختلفوا في الاحتجاج بالمصلحة المرسلة في باب المعاملات والعادات ونحوها على ثلاثة أقوال:
القول الأول: عدم جواز الأخذ بالمصلحة المرسلة وهو قول الباقلاني والآمدي وابن الحاجب ونسبه ابن الهمام للحنفية ونسبه الآمدي للشافعية وهو قول الظاهرية.
القول الثاني: جواز الاحتجاج بالمصلحة المرسلة وهو قول المالكية والحنابلة وهو الصحيح من مذهب الحنفية وهو قول الشافعي على الأصح.
القول الثالث: جواز الأخذ بالمصلحة المرسلة إذا كانت المصلحة (ضرورية قطعية كلية) وهو قول الغزالي في المستصفى، وفي كتابه شفاء الغليل اختار أن تكون ضرورية أو حاجية وعامة أما الخاصة فتجوز في حالات نادرة.
أدلة القولين الأول والثاني (أما القول الثالث فهو في الحقيقة يرجع إلى القول الثاني عند التحقيق)
أدلة القول الأول: استدل المانعون من الاحتجاج بالمصلحة المرسلة بما يلي:
1 – عدم وجود دليل من الكتاب والسنة يدل على جواز الاحتجاج بها.
وأجيب عنه بعدم التسليم بانتفاء الدليل مطلقاً، نعم لا يوجد دليل خاص معين على تلك المصلحة لكن النصوص العامة والقواعد الكلية دلت على اعتبار جنس هذه المصلحة.
2 – أن المصالح منقسمة قسمين: مصالح معتبرة ومصالح ملغاة، وما سُكت عنه متردد بين القسمين، وليس إلحاقه بأحدهما أولى من الآخر.
¥