تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما ما ذكرت من السؤال عن بيع المزابنة التي وقع النهي عنها، واستفاض ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة والتصريح بأنها ربا، كذلك سؤالكم عن الثنيا التي ورد النهي (عنها) في الحديث، إلا أن تعلم، وكذلك سؤالك عن حكم المساقاة، وما يجوز منها وما لا يجوز، وعن الشروط التي تفسدها وتمنع صحة عقدها.

فنقول وبالله التوفيق:

فصل: أعلم أن حقيقة المزابنة (3) كما عرفها الفقهاء وشرّاح الأحاديث هي "بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر". وكذلك لا يجوز إذا كان الرطب في الأرض، قال الإمام مالك رحمه الله في الموطأ: "ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة، وتفسير المزابنة: أنها كل شيء من الجزاف الذي لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده، ابتيع بشيء مسمى من الكيل أو الوزن أو العدد" (4) انتهى. وسواء كان التمر معلوماً، أو مجهولاً، حاضراً، أو غائباً، والعلة في النهي عن بيع المزابنة أن التمر الذي على رؤوس النخل مجهول القدر، والجهل بأحد العوضين أو بهما كالعلم بالتفاضل، والبيع بالتفاضل في كل جنس بيع بجنسه ربا، كما ورد في الحديث الصحيح عن صلى الله عليه وسلم: " ... التمر بالتمر .. مثلاً بمثل يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى" (5).

قال في شرح السنة: "والعمل على هذا عند عامة أهل العلم، والعلة في النهي أن المساواة بينهما شرط، وما على الشجر لا يحزر بكيل ولا وزن، وإنما يكون تقديره بالخرص، وهو حدس وظن لا يؤمن فيه من التفاوت، فأما إذا باع بجنس آخر من الثمار على الأرض أو على الشجر فإنه يجوز، لأن المماثلة بينهما غير شرط كما تقدم، والتقابض شرط في المجلس، وقبض ما على الأرض بالنقل، وقبض ما على الشجر بالتخلية، أقول: معنى هذا الكلام أن سبب التحريم هو شبه الربا، وعند مالك أن سبب التحريم معنى القمار، وكلا الأمرين صحيح" (6) انتهى.

فقد تبين أن تحريم بيع المزابنة مما اتفق عليه عامة أهل العلم، ووقع الإجماع ممن يعتمد على تحريمه، وأدلة ذلك مذكورة في كتب الأحاديث، وأكثرها في الصحيحين والسنن، وذكر الفقهاء من أهل كل مذهب هذه المسألة ونصوا على تحريمها وأنها من الكبائر، ونصوا أيضاً على تحريم صور من البيع تتفرع عنها أو تشابهها، وسدوا أبواب الوسائل التي تفضي إلى مقاربتها أو الوقوع فيها، وشددوا في ذلك غاية التشديد، حتى أنهم نصوا على تحريم قليل الربا، ولو بين تمرتين إحداهما أكبر من الأخرى، وقد ذكر هذا صاحب الإقناع (7) والمنتهى (8)، وذلك أن الأحاديث أطلقت، ولم تفرق بين الكثير والقليل، بل قد ورد في بعض الأحاديث التي وقع فيها النهي عن بيع الجنس بمثله إلا مثلاً بمثل، "ولا تشفوا" (9)، والإشفاف هي الزيادة القليلة، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن زاد أو استزاد فقد أربى" (10)، والزيادة تطلق على القليل والكثير، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "درهم يأكله الرجل من الربا أشد عند الله من ست وثلاثين زنية في الإسلام" رواه أحمد (11).

إذا عرفت هذا، عرفت أن خرص النخل أو النخلات عن تمر في ذمة صاحب النخل أنه من المزابنة المنهي عنها، ومن الربا الصريح، وفعل أبناء الزمان، من أهل الجهل والهوى، الذين آثروا دنياهم على رضى مولاهم، وحكموا العادات على طاعة رب الأرض والسموات، لا يغتر إلا من مثلهم، نسأل الله السلامة والعافية، وقد نص العلماء على منع ذلك، ولم أعلم أحداً أجازه، وقد ذكر الإمام مالك رحمه الله تعالى في أبواب الربا هذه المسألة (12)، وقرر رحمه الله تعالى أنها ربا وحرام من وجهين، الأول أنه تصرف في التمر الذي في ذمة المدين ببيعه عليه أو على غيره قبل قبضه، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التصرف قبل قبضه، وفي رواية حتى يجري فيه الصاعان، وهذا تمر لم يقبضن ولم يحص، ولم يجر فيه صاع لأحدهما، فلهذا لا يجوز التعوض عنه بتمر مجهول، للجهل بالتساوي، ولا بتمر معلوم إذا كان أزيد أو أنقص على وجه المعارضة، وأما إذا كان على وجه الإبراء والحط (13) والمسامحة بأقل أو أكثر فلا بأس كما يأتي ذكرها، ولا يجوز أيضا التعوض عنه بذهب ولا فضة أو جنس آخر لمن هو عليه أو لغيره، لما ذكر من النهي عن التصرف بالطعام قبل قبضه (14)، فإن كان سلماً فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن صرف السلم إلى غيره (15)، والوجه الثاني: أن هذا من بيع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير