تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ترجمة "باب قاضه أو جازفه في الدين تمراً بتمر أو غيره"الخ، فقال: "أي عند الأداء فهو جائز"، ثم ذكر كلاماً للمهلب (27) ولفظه: "لايجوز عن واحد من العلماء أن يأخذ من له دين تمر مجازفة في حقه أقل من دينه إذا علم الآخذ ذلك ورضي" انتهى. قال صاحب الفتح: "وكأنه أراد بذلك الاعتراض على ترجمة البخاري رحمه الله تعالى، ومراد البخاري ما أثبته المعترض لا ما نفاه، وغرضه بيان أنه يغتفر في القضاء من المعاوضة مالا يغتفر ابتداءً، لأن بيع الرطب بالتمر لايجوز في غير العرايا، ويجوز في المعاوضة عند الوفاء، وذلك بيّن في حديث الباب، فإنه صلى الله عليه وسلم سأل الغريم أن يأخذ تمر الحائط وهو مجهول القدر في الأوساق التي هي له، وهي معلومة، وكان تمر الحائط دون الذي له، كما وقع التصريح بذلك في كتاب الصلح من وجه آخر، وفيه: "فأبوا ولم يروا فيه وفاءً"، وقد أخذ الدمياطي (28) كلام المهلب فاعترض به، فقال: هذا لايصح، ثم اعتل بنحو ما ذكره المهلب، وتعقبه ابن المنير بنحو ما أجبت به، فقال: بيع المعلوم بالمجهول مزابنة، فإن كان تمراً ونحوه فمزابنة وربا، لكن اغتفر ذلك في الوفاء، لأن التفاوت متحقق في العرف، فيخرج عن كونه مزابنة" (29) انتهى كلام صاحب فتح الباري بحروفه رحمه الله تعالى.

قلت: وقد نص فقهاء الحنابلة على جواز ذلك إذا كان على وجه المسامحة والإبراء والحط، فقال في الإقناع وشرحه في أول كتاب الصلح "على جنس الحق مثل أن يقر رشيد له بدين، فيضع عنه بعضه، ويأخذ الباقي، أو يقر رشيد لآخر بعين لفظ الصلح، لأن الأول - أي وضع بعض الدين- إبراء والثاني - أي هبة بعض الدين- هبة يعتبر له شروط الهبة .. ، ولا يمنع الإنسان من إسقاط بعض حقه أو هبته، كما لا يمنع من استيفائه، لأنه صلى الله عليه وسلم كلم غرماء جابر ليضعوا عنه، وقضية كعب مع ابن أبي حدود (30) شاهدة بذلك، فإن كان بلفظ الصلح لم يصح، لأنه صالح عن بعض ماله بماله، فهو هضم للحق، وقال أيضاً بمثل ذلك: "ويحرم الصلح عن بيع الدين بجنسه إذا كان مثلياً مكيلاً أو موزوناً بأكثر أو أقل على سبيل المعاوضة، لأنه ربا، لأنه ترك له بعض الدين وأخذ الباقي على سبيل الإبراء والحط كما لو أبرأه من الكل، وتقدم" انتهى كلام صاحب الإقناع وشرحه باختصار (31).

وقال في المنتهى وشرحه أيضاً في أول كتاب الصلح: "والصلح في المال قسمان: صلح على إقرار .. وهو نوعان، نوع يقع على جنس الحق مثل أن يقر له بدين أو بعين فيضع بعض الدين كنصفه أو ثلثه أو ربعه ويأخذ الباقي من الدين أو العين فيصح ذلك، لأن جائز التصرف لا يُمنع من إسقاط بعض حقه أو هبته، كما لا يمنع من استيفائه، وقد كلم صلى الله عليه وسلم غرماء جابر أن يضعوا عنه، ولايصح بلفظ الصلح، لأنه هضم للحق، أو يشترط أن يعطيه الباقي كعلى أن تعطيني كذا منه، (أو تعوضني منه كذا)، يقتضي المعاوضة، فكأنه عاوض عن بعض حقه ببعضه، أو يمنعه، أي يمنع من عليه الحق ربه حقه بدونه، أي الإعطاء منه، فلايصح لأنه أكل لمال غيره بالباطل وقال بعد ذلك: "ولايصح صلح عن حق بجنسه كعن بر ببر أقل منه أو أكثر على سبيل المعاوضة، لإفضائه إلى ربا الفضل، فإن كان بأقل على وجه الإبراء والهبة صح لا بلفظ الصلح لما تقدم" (32).

وقال في الزاد وشرحه في كتاب الصلح أيضاً: "إذا أقر له بدين أو عين، فاسقط عنه من الدين بعضه، أو وهب من العين البعض وترك الباقي، أي لم يبرئ منه ولم يهبه صح، لأن الإنسان لايمنع من إسقاط بعض حقه، كما لايمنع من استيفائه، لأنه عليه السلام كلم غرماء جابر ليضعوا عنه، ومحل صحة ذلك إن لم يقع بلفظ الصلح، فإن وقع بلفظ الصلح لم يصح، لأنه صالح بعض ماله ببعض، فهذا أهضم للحق، ومحله أيضاً: إن لم يكن شرطاه، بأن يقول: بشرط أن تعطيني كذا أو (تعطيني) وتعوضني كذا، ويقبل على ذلك، فلايصح، لأنه يقتضي المعاوضة، فكأنه عاوض عن بعض حقه ببعض، ومحله أيضاً إن لم يمنعه حقه بدونه وإلا بطل، لأنه أكل لمال غيره بالباطل" انتهى باختصار (33)،.وقال أيضاً في عمدة الفقه وشرحها "باب الصلح: ومن أسقط بعض دينه أو وهب غريمه بعض العين الذي له في يده جاز، مالم يجعل وفاء الباقي شرطاً في الهبة والإبراء، أو يمنعه حقه إلا بذلك، وذلك لأن الإنسان لايمنع من إسقاط حقه ولا من استيفائه، قال أحمد: "ولو شفع فيه شافع لم يأثم،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير