تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لان النبي صلى الله عليه وسلم كلم غرماء جابر ليضعوا عنه، وكلم كعب بن مالك فوضع عن غريمه الشطر"، ويجوز للقاضي فعل ذلك لفعل النبي صلى الله عليه وسلم (34)، ولو قال (للغريم) أبرأتك من بعضه بشرط أن توفيني بقيته، أو على أن توفيني باقيه لم يصح، لأنه جعل إبراءه عوضاً عما أعطاه، فيكون معاوضاً لبعض حقه ببعض، ولايصح بلفظ الصلح، لأن معنى صالحني عن المائة بخمسين، أي بعني، وذلك غير جائز، لما ذكرناه ولأنه ربا"، انتهى (35). وكلام الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى في المختصر نحو كلام صاحب العمدة، وسياقه قريب منه (36).

وقد رأيت رسالة للشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن رحمهم الله تعالى جواباً لسؤال ورد عليه من الشيخ عبدالعزيز بن حسن قاضي "المحمل" (37)، وقد سأله عن حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما لما توفي أبوه، وعليه ثلاثون وسقاً من تمر لرجل من اليهود، وفي الحديث "فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلم اليهودي، ليأخذ تمر نخله بالذي له فأبى"، قال السائل: وظاهر هذا إباحة المجهول بالمعلوم بالجنس وهو ممنوع شرعاً"، فأجابه الشيخ عبداللطيف رحمه الله، وذكر له ما تقدم من تراجم البخاري على حديث جابر، وأن في بعض سياقات حديث جابر –كما تقدم-: "فسألهم أن يقبلوا تمر حائطي ويحللوا أبي ثم قال الشيخ عبداللطيف رحمه الله: "فإذا عرفت هذا، بطل قول السائل، وظاهر هذا إباحة (بيع) المجهول بالمعلوم في الجنس، فلا جهالة والحالة هذه، لأن الحديث صريح في أن تمر الحديقة دون الثلاثين وسقاً، وإنما بورك فيه لما مشى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقول السائل "فهو ممنوع شرعاً" عبارة لا ينبغي أن تورد على الأحاديث النبوية، وهل الشرع إلا ماجاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً فهي فاسدة في نفسها، فإن الاعتياض بالمجهول عن المعلوم في الجنس جائز في غير ربا الفضل إذا حصل له التراضي، لأن المدين إنما يزيد، "وخيركم أحسنكم قضاءً"، ولرب الدين أن يضع من دينه ما شاء، وفي حديث كعب: "ضع الشطر"، وإنما تمنع هذه المسألة لما فيها من ضرر أو غرر من البياعات والمعاملات، هذا ما ظهر لي، وهو المعروف من القواعد الشرعية"، انتهى كلام الشيخ عبداللطيف رحمه الله تعالى (38).

قلت: فتبين لك من ألفاظ حديث جابر وتراجم البخاري عليه وكلام الشراح على ذلك وما نص عليه فقهاء الحنابلة في كتبهم إن أخذ صاحب الدين تمراً مجهولاً على رأس النخلة أو في الأرض ممن له عليه تمر معلوم إذا كان المأخوذ أقل من ذلك وأبرأه وحلله أو وهبه الباقي أن ذلك جائز، وأن الإنسان لايمنع من إسقاط حقه، والخرص أو بعضه، فإن كان على غير ذلك لم يجز، ويشمل ذلك صوراً، منها: أن يقع بلفظ البيع والخرص فهذا مزابنة لأنه ربا وقمار كما تقدم عن الإمام مالك رحمه الله، ومنها: أن يقع بلفظ الصلح، وقد عرفا أن النخلة أقل من الدين، لكن قد يكون لصاحب الدين غرض إما لطيب تمر النخلة خوفاً من أنه لا يحصل له عند الجذاذ إلا تمراً ردياً أو يزيد النخلة عرية يخترفها في أول الوقت وله رغبة فيها لأجل الرطب، فيقع الاتفاق بينهما على إن أردت ذلك قبل الجذاذ فخذ هذه دون حقك، وإلا فاصبر إلى وقت الجذاذ، لاسيما إذا كان المدين موسراً، ومنها: أن يقول المدين: لا أعطيك هذه النخلة وهي أقل مما لك علي أن تبرئني أو تحلني أو تضع عني، فهذا لايصح، لأنه أكل لمال غيره بالباطل، أو يقول الغريم أبرأتك من بعضه على أن توفيني هذه النخلة - وهي أقل-، أو هذه الصبرة، فهذا أيضاً لايصح، لأنه جعل إبراءه عوضاً عما أعطاه، وهذا لا يجوز.

بقيت مسألة، وهي: إذا كان لصاحب الدين آصع معلومة، وأعطى المدين نخلةً فيها أكثر من ذلك، وأعطاه أو وهبه أو حلله عن الزيادة، فلم أقف على كلام لأحد فيها منصوصاً، إلا ما ذكر الشيخ عبداللطيف، فإنه قال: "فإن للمدين أن يزيد، وخيركم أحسنكم قضاءً، ولرب الدين أن يضع"، -وتقدم-، نعم أباح بعض العلماء صورة، وهي: إذا ساقى صاحب النخل أحداً بجزءٍ معلوم من التمر وبدا صلاح الثمرة، فيباح لكل واحد أن يخرص له نخلة أو نخلات يأكلها، والدليل في ذلك: قصة خيبر، وهو: أنه صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبدالله بن رواحة فيخرص ثمارهم عليهم على النصف (39)، فقد أباحه بعضهم لهذه القصة، ولأن الحاجة ربما تدعو إليه، ومما يدل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير