تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

على جواز ذلك: أن الفقهاء نصوا في باب القسمة على جواز قسم الثمرة خرصاً تمراً، أو رطباً أو عنباً أو زبيباً على رؤوس الأصل ولو قبل بدوِّ صلاحه، ولو بشرط التبقية، واعلم أن الذي ورد الاستثناء لها، وصحت فيها الأحاديث من صور المزابنة، هي في العرايا خاصة (40)، وإنما تباح أيضاً بشروط ذكرها الشراح في الأحاديث، ونص عليها الفقهاء في كتبهم، منها: أن تخرص النخلة بما تؤول إليه خرصاً، ومنها: أن يكون الثمر بالمعلوم الذي وقع عليه العقد عوضاً عن النخلة مقبوضاً في المجلس، ومنها: الحاجة إلى ذلك، فإن لم يكن له حاجة إليها لم يصح، ومنها: أن لا يكون معه نقد يشتري به، ومنها: أن يأكلها رطباً ولا يتركها إلى الجذاذ، فقد أباح النبي (41) صلى الله عليه وسلم العرية، رفقاً بأمته وتيسيراً عليهم، وقد ذهب إلى ذلك الجمهور، ومنعه بعض العلماء منهم أبو حنيفة رحمه الله، وجعلوه من أقسام المزابنة المنهي عنها، وأوَّلوا أحاديث العرايا بتأويلات بعيدة، والذي حملهم على ذلك أن أحاديث المزابنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها أصل عظيم في تحريم التفاضل بين التمر، وما في معناه من الربويات، وأن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، وما خالف الأصل فهو مؤول، والصحيح ما ذهب إليه الجمهور، وأن مسألة جواز بيع العرايا مستقل بنفسه، ولا يكون خارجاً عن الأصل، ولهذه الصورة صور تشابهها، كالشفعة والقسامة (42) وغيرها، وخالفت أصولاً، وهي أصول بنفسها، لا يعارض أصل بأصل، بل كلها أصول صحيحة معمول بها يلزم العمل بها.

فصل: وأما الثنيا (43) فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الثنيا إلا أن تعلم، وقد نص الفقهاء على أن استثناء المجهول وصفاً، أو عيناً، أو عدداً، يفسد البيع، وصوروا للصحيحة والفاسدة صوراً، من الصور الفاسدة: بيع الصبرة إلا قفيزاً أو قفيزين، ومنها: بيع الشاة واستثناء شيء من لحمها تحت الجلد فلايجوز، إلا استثناء ما هو ظاهر، كالرأس والأكارع والجلد والآلية (فيجوز استثناؤها)، ومنها: بيع القطيع من الغنم إلا عدداً مجهولاً أو شاة مجهولة، ومثله: العبيد والنخل والشجر والثياب وما أشبه ذلك.

فصل: وأما مسألة المساقاة (44)، واشتراط نخلة أو نخلات لأحدهما، فهذه مساقاة باطلة، نص الفقهاء من الحنابلة وغيرهم على بطلانها، وقد قرر مالك رحمه الله تعالى في الموطأ تحريم ذلك وأنه يبطلها (45)، وسواء كان المستثنى ودياً أو طوالاً، لكن إذا وقعت المساقاة على ودي وحده بنفاهه (46) أو على عيدان بنفاهه، والثمرة للعامل كلها، فقد أجازه بعضهم، فيكون الحاصل عوضاً عن عمله، ومنعه بعضهم كمالك وأصحابه، وقرر أن هذا الفعل إجارة وليست مساقاة، ومن شروط الأجارة أن تكون الأجرة معلومة، فإن كانت مجهولة فسدت، والثمر في هذه الصورة معدوم مجهول، وأما إذا وقعت المساقاة على نخل بجزء معلوم من ثمره ومعه غريس أو عيدان بنفاهه، فقد أبطلوا ذلك أيضاً، ونصوا على أنها مساقاة باطلة، نعم ذكروا أنها تجوز المساقاة على نخل أو شجر بعضه على الثلث وبعضه على الربع والخمس أو أكثر من ذلك أو أقل.

هذا ما ظهر لي واطلعت عليه من كلام أهل العلم، والله سبحانه المسؤول أن يجعلنا وإياكم ممن يعرف الحق بدليله، وأن يرزقنا وإياكم العمل به، وسلوك سبيله، والواجب علينا وعليكم القيام مثنى وفرادى، والتفكر فيما خلق الله الخلق لأجله، وأوجبه عليهم من فعل أوامره، وترك زواجره، والغيرة لله عند انتهاء شيء من ذلك، والمجاهرة بعداوة من جاهر بها وهجره ومقاطعته في ذات الله ومن أجله، وأكثر الناس يفعل هذه الأمور يتهاون بها جهلاً بذلك، وهو غير معذور بجهله لإعراضه عن السؤال عما يجب عليه ويحرم، قال الله تعالى: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (47)، والله سبحانه وبحمده أرسل الرسل وأنزل الكتب حجة على خلقه، ومعذرة إليهم، لئلا يقولوا: (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى) (48)، ومن رحمته ورأفته سبحانه بخلقه أن أرسل رسول بلسان قومه، ليبين لهم ويتمكنوا من معرفة ما خوطبوا به من الأمر والنهي، فأبى أهل الجهل والضلال إلا الإعراض عما خلقوا له علماً وعملاً، وصارت

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير