تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الدنيا أكبر همهم ومبلغ علمهم ورضوا بها واطمأنوا إليها، وغفلوا عن آيات الله، قال الله تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ. وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (49)، وبهذا تعرف أن إعراض أكثر الخلق عن تعلم ما خلقوا له، وصرفهم عن معرفته، والعمل به أنه عدلٌ من الله سبحانه وتعالى، لقوله: (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ)، فإن الإنسان خلق ظلوماً جهولاً، فإذا أراد الله به خيراً فقهه في الدين، ونقله من الظلم إلى العدل، ومن الجهل إلى العلم فصار عالماً عادلاً، بعد أن كان جاهلاً ظلوماً، وإن أراد به غير ذلك تركه على ما جبل عليه فعاش كذلك، ومات على ما عاش عليه، وبعث على ما مات عليه، وحشر مع أشباهه وأبناء جنسه إلى داره التي خلق لها، وأما من ارتكب المنهيات، أو فرّط في شيء من الواجبات بعد العلم بذلك فهذا جرمه أعظم ومصيبته أكبر، نعوذ بالله من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع. وأكثر الناس بل (حتى بعض) المنتسبين إلى الدين طال عليهم الأمد، فقست قلوبهم، ووقع في قلوبهم وجوارحهم الملل، وظنوا أن التعبد لله سبحانه إنما هو في أول العمر دون آخره، أو سنة من السنن، أو شهر من الشهور، أو يوم من الأيام، والله تعالى يقول: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (50)، والله سبحانه جامع الناس ليوم لا ريب فيه، ومجاز كل عامل بما عمل (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (51)، فرحم الله عبداً أصلح ما بينه وبين ربه، وعامل الله ظاهراً وباطناً قبل أن تزل قدمٌ بعد ثبوتها، وقبل (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) (52)، ونسأل الله سبحانه أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم، وأن يحشرنا جميعاً في زمرة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

25شوال 1329هـ، ونقله كاتبه الفقير إلى الله سبحانه علي بن صالح، وحرر في 17شوال 1364هـ.

الهوامش:

1 - محمد بن عامر، من أهل الروضة بحائل، عاش فيها فلاحاً طول حياته، وكان له كتّاب لتعليم القرآن، وكان يمتاز بجودة الخط، يكتب المبايعات والعقود بين الناس، وهو خطيب الجامع بالروضة، توفي سنة 1356هـ-1937م، انظر: كتاب "فتافيت" ج1 ص54، وج2 ص521، ومشافهات من آل عامر.

2 - المراد بالخط: الرسالة.

3 - المزابنة: لغة: الدفع، يقال: زَبَنَت الناقة حالبها: دفعته برجلها، وقيل للمشتري زبون لأنه يدفع غيره عن أخذ المبيع، وسمي بعض الملائكة (زبانية) لدفعهم أهل النار إليها، انظر الصحاح ج5 ص2130 والمصباح المنير ج1 ص383، وغيرها. واصطلاحاً: عرفها الجمهور بأنها: بيع الرطب على النخل بتمر محدود، مثل كيله خرصاً. وعرفها الدرديري من المالكية في كتابه الشرح الكبير ج3 ص60: "بيع مجهول بمعلوم، ربوي أو غيره، أو بيع مجهول بمجهول من جنسه"، وعرفها ابن جزي من المالكية في كتابه القوانين الفقهية ص168: "بيع شيء رطب بيابس من جنسه، سواء أكان ربوياً أم غير ربوي"، وذكر الزيلعي وغيره بأن مثله العنب بالزبيب، وأطلق المالكية بعدم جواز بيع كل رطب بيباس من جنسه لا متفاضلاً ولا مثلاً بمثل، انظر (رد المحتار) ج4 ص109، وحاشية القليوبي على شرح المحلى على المنهاج ج2 ص238، والهداية بشروحها ج6 ص238 وغيرها.

4 - الموطأ ج2 ص129 وبحاشية تنوير الحوالك للسيوطي.

5 - هذا الجزء من حديث الربا المشهور، رواه الجماعة وغيرهم بألفاظ متقاربة، فرواه البخاري (2/ 31)، ومسلم (5/ 42)، ومالك (2/ 632/40)، والنسائي (2/ 222)، وأحمد (3/ 4، 51، 61)، وغيرهم، وانظر "إرواء الغليل" للألباني ج5 ص188.

6 - شرح السنة للحسين بن مسعود البغوي ج8، ص82، بتحقيق زهير الشاويش وشعيب الأرناؤط، المكتب الإسلامي ببيروت ط الثانية 1403هـ.

7 - الإقناع لأبي النجا موسى بن أحمد المقدسي الحجاوي، انظر كشاف القناع عن متن الإقناع لمنصور البهوتي ج3 ص258.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير