وإن من أعظم المنكرات التي يجب على المسلمين اجتنابها، والإنكار على فاعلها: ما يجري في هذه الأسواق من إقرار البيوعات الباطلة المفضية للربا والمخادعات والغش، فالتحايلات فيما بين البائعين والمشترين مما ذاع وشاع وملأ الأسماع بغير نكير لذلك، ولا أمر بتركه، وقد أجمع العلماء على أنه لايجوز فعل شيء حتى يعلم ما حكم الله فيه، وقد بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه من يقيم في الأسواق من لم ينفقه في أحكام البيع والشراء (8)، والله المستعان، فإنه تجري معاملات باطلة محرمة في شريعتنا مشاهدةً جهاراً.
فمن أعظمها: ما يفعله (9) كثير من الدلالين وأهل السمسرة، الذين يتلقون الأعراب وغيرهم، ليشتروا لهم، أو يبيعوا لهم، فإذا أراد البدوي أن يشتري سلعة أتى ذلك الدلال إلى رب السلعة، وقال: اجعل لي منها شيئاً وأنا أشير على البدوي أن يشتريها بأزيد من قيمتها فيجعل ذلك له، فيشتريها له على هذا الأسلوب المحرم، فجمع بين تغرير أخيه المسلم، وغشه، وأكل ماله بغير حق، فهذا من أعظم المنكرات التي يجب اجتنابها، والإنكار على متعاطيها.
ومنها: ما يفعله كثير من المتبايعين بالإبل (10) من المخادعة للجالب والتغرير به، مثاله: إذا اشتروا منه بعيراً ورأوا أن فيه عليهم خسارة ادعوا فيه عيباً ليس فيه، فيشهد بعضهم لبعض مكراً وتحايلاً على البائع فيحلفون له بالأيمان الكاذبة، حتى يردوه عليه أو يضع عنهم من ثمنه، وهذا من جنس الذي قبله، يجب الإنكار على فاعله وتأديبه من ولاة الأمور، ولا تقبل شهادته حتى يتوب.
ومنها: ما يفعله كثير من التجار من بيعتين في بيعة (11)، مثاله: بعني كذا على أن أبيعك كذا، ويقول للبدوي أو غيره: أشتري منك السمن الصاع مثلاً بكذا على أن تشتري مني السلعة الفلانية، أو تشتري مني حوائجك، فهذا حرام، ولايصح معه عقد، بل هو باطل يجب إنكاره.
ومنها: ما يفعله كثير منهم من البيع، والجمع بين بيع وصرف (12)، فيقول: بعتك كذا على أن تأخذ الليرة بكذا وأشتري منك كذا بكذا، على أن تأخذ مني بكذا، فهذا حرام، ولايصح معه عقد، فهو مما يجب الإنكار على فاعله.
ومنها: (13) ما يفعله كثير منهم من المصارفة في الذمة بالذمة، مثاله: أن يبيع عليه سلعة بمائة ريال، ثم يقول مائة ريال الليرة عشرة ريالات عثماني هي عليك عشر ليرات، فلاتصح تلك المصارفة ذمة بذمة، وإن أحضر الليرات مثلاً وصارفه بها عما ذمته وقبضها في المجلس بتمامها صح، وإن لم يقبضها بتمامها صح في المقبوض فيها لذلك.
ومنها: ما يفعله (14) كثير منهم من المداينات والسلم، من كونه يبيع عليه سلعة، أو يقدر ثمنها فيقول: هي مثلاً بمائة ريال وأن المائة عليك سلماً بكذا، وكذا عليك حباً وتمراً، ونحوه، فهذا باطل سلمه، ليس له إلا رأس ماله وهي من باب (بيع) الدين بالدين، كأن يكون عليه ديناً سابقاً سلماً لايصح.
ومنها: ما يفعلونه في الرهن (15) في قولهم: ورهنته جملة، أو جميع ما يملك فهذا باطل.
ومنها: ما يفعلونه (16): يبيع أحدهم سلعة على إنسان ديناً، ثم يشتريها منه أقل مما باعه قبل أن يقبض ثمنها، فهذا من بعض صور العينة المحرمة.
ومنها: أن (17) يشتري منه ما ليس يملك، مثاله: أن يشتري هذا البعير، الذي ليس هو في ملك واحد منهما، فيبيعه عليه قبل أن يدخل في ملكه، ثم يشتريه له بعد ذلك، فهذا العقد باطل، وإن وجدوا العقد بعد شرائه من ربه الأول صح.
وأما ما يفعلونه (18) من المرابحة بلفظ العشر أحد عشر أو اثني عشر، فمكروه عند أئمتنا، بل الأولى والأحسن أن يعرف رأس ماله، مثلاً مائة، الربح مثلاً عشرين، فيقول بمائة وعشرين، فهذا حسن وأولى.
ومنها: ما يفعلونه (19) مع الجزارين في سلم اللحم يسلمه مثلاً- شهراً بكذا دراهم، على أن يدفع إليه كل يوم عضواً ولحماً بلا ضبط بوزن ونحوه، فهذا لايصح، ولايجوز تعاطيه، فإنه لايجوز إلا أن يكون مضبوطاً بوزن معين، ويعين موضع القطع كفخذ وجنب ونحوه، ويعيّن نوع الحيوان وسنه وسمينه وهزيله، وبشروط لايختلف به المسلم فيه، وبدون ذلك فلايجوز، والعقد باطل، ومتعاطيه آثم مخالف، مصر على عصيانه إذا علم التحريم فلم ينته كمن يسلم في مالا ينضبط، كالجلود ونحوها.
¥