- عدة الأمة: إذ إن الأَمة يبرأ رحمها بحيضتين، قَالَ القرطبي: الجمهور من العلماء عَلَى أَن عدة الأَمة-التي تحيض من طلاق زوجها-حيضتان ... واحتج الجمهور بِقَوْلِهِ?: (طلاق الأَمة تطليقتان وعدتها حيضتان) رواه ابْن جريج عن عطاء عن مظاهر بن أَسلم عن أَبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: قَالَ رَسُول الله?: (طلاق الأَمة تطليقتان وقرؤها حيضتان) فأَضاف إليها الطَّلاق والْعِدَّة جميعا، إلا أَن مظاهر بن أَسلم انفرد بهَذَا الحديث وهو ضعيف ... قال عمر?بحضرة الصَّحابة: (عدة الأَمة حيضتان، نصْف عدة الحرة، ولو قدرت عَلَى أَن أَجعلها حيضة ونصفا لفعلت)، ولم ينكر عَلَيْهِ أَحد. فدل عَلَى أَنه إجماع منهم، وهو قول عشرة من الصّحابة منهم الخلفاء الأَربعة، وحسبك ما قالوا ()!
- وبعض الأَحوال للمرأَة تستبرئ بحيضة واحدة، ومن هؤلاء:
= المزني بها: تُستبرأ بحيضة، كما نص عَلَيْهِ الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
= المهاجرة من دار الحرب: جاءت السنة أنها إِنَّمَا تستبرئ بحيضة ثم تزوج.
= المختلعة: روي أن رَسُول الله? حكم أنها تعتد بحيضة، وهو قول أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وعبد الله بن عباس والربيع بنت معوذ وعمها وهو من كبار الصحابة لا يعرف لهم مخالف منهم?، وعبد الله عمر وَقَالَ فِي هذا: فعثمان خيرنا وأعلمنا، وهو مذهب أبان بن عثمان وبه يقول إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل () فِي أصح الروايتين عنه، واختارها عنه شيخ الإسلام ابْن تيمية، واختار هَذَا القول ابْن المنذر، وحكاه أبو جعفر النخاس فِي ناسخه ومنسوخه إجماع.
فلو كَانَ جُلّ الحكمة من تشريع الْعِدَّة معرفة تلك البراءة-براءة الرحم- لاستوت الحرة بالأمة () والمختلعة بالمطلقة ... الخ، ولكن شيئا من هَذَا لم يكن.
- كما أنه لو كَانَ جُل الحكمة من تشريع الْعِدَّة الوقوف عَلَى براءة الرحم لعفي فِي هَذَا عن كبيرة السن وصَغيرته والتي لا تحيض عامة، فكل واحدة منهن متيقن من براءة رحمها.
وإِنَّمَا الحكمة فِي بلوغ الشرع بالْعِدَّة إِلَى ثلاث حيضات للمطلقات اللاتي من ذوات الحيض يمكن أن تتلمس فيما يأتي:
* أن تكون هِيَ ذاتها الحكمة من تشريع الْعِدَّة وغيرها من الأحكام التشريعية، أعني الحكمة التعبدية: تلك الحكمة التي هِيَ أَبلغ الحكم.
* ولعل من هَذِهِ الحِكَم مما سوى معرفة براءة الرحم تعلية شأن الْمَرْأَة وتعظيمه وتكريمها وعدم امتهانها؛ فلا تكون اليوم تحت فلان، وغدا تحت آخر، وهكذا حتى تكون أَشبه بلعبة، أَوْ سلعة تنقل من هَذَا لذاك، وتباع كذلك.
* ومن هَذِهِ الحِكَم ما قاله بعض العلماء: من أن الْعِدَّة إِنَّمَا جعلت ثلاث حيض لتطول مدة الرجعة فيتروى الزَوْج ويتمكن من الرجعة فِي مدة الْعِدَّة فإِذَا لم تكن عليها رجعة فاللازم مجرد براءة رحمها من الحمل وذلك يكفي فِيهِ حيضة كالاستبراء، فأما الأَقْرَاء الثلاث فإِنَّمَا جعلت فِي حق المطلقة ليطول زمن الرجعة فيتمكن زوجها من رجعتها مَتَى شاء ثم أجرى الطَّلاق كله مجرى واحدا؛ وإلا فاليوم قد بلغ الطب درجة من الدقة والمهارة فيعرف يوم إيقاع الطَّلاق براءة الرحم من عدمه () .. فهَذَا هُوَ الأَمر الأَول.
وأَما الثاني: فإني أَقُول: فلنعتبر القول بالعموم، أَعني أَن يقصد بهذه المطلقة ما هُوَ أَعم من المطلقة فِي طُهْر جومعت فيه، بل هِيَ تشمل المطلقة فِي طُهْر لم تجامع فيه-مع كون حملها نادراً- والمطلقة فِي طُهْر جومعت فيه-مع كونها هِيَ الأَقرب لمضمون الآية؛ لترتب ذكر الحمل واحتمال حصوله-أَقُول: فهل يمكن عَلَى قوْل من قَالَ بعدم وقوع الطَّلاق فِي المسيس، بل واعتبار كلام الزَوْج بالطَّلاق عَلَى المطلقة فِي الطهر المجامع فِيهِ لغواً من الكلام وهدراً، هل يمكن والحالة هَذِهِ أَن تفرع هَذِهِ التفريعات التفصيلية، فيقال: لو طلقت فِي طُهْر جومعت فِيهِ فعدتها بالأَقْرَاء، ثم إن ظهر لها حمل فلا تكتمه؛ وزوجها أَحق! إن الآية-كما قلنا-رتبت عَلَى هَذَا الطلاق الاعتداد بالقروء، ثم نهت عن كتمان الحمل أَوْ الحيض؛ وهَذَا يبين أن الطلاق في الطهر المجامع فيه (والذي يتأتى معه حصول حمل) هَذَا الطلاق واقع ومعتد به؛ بدليل أن الآية أمرتها بالتربص؛ أي الاعتداد ثلاثة قروء، فلو كان المذهب الذي يرى عدم الاعتداد بالطلاق الْبِدْعِيّ صَحيحاً كما هُوَ المعروف من مذهب شَيخ الإسلام-رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-ومن تبعه، لم تكن ثمة تفريعات من هَذِهِ أَصْلا، وأَن شيئا مما صَدر من الزوج-والحالة هَذِهِ-لا قيمة له، ولا يعبأ به، ولا يلتفت إليه؛ وبالتالي لم يكن ثم عدة لا بالأقراء ولا بغيرها، فتبين من خلال التدبر والتأمل لتلك الآية الكريمة أنها تدعم الاعتداد بالطلاق البدعي.
وبهَذَا نخلص إِلَى إن هَذِهِ الآَيَة الكريمة هِيَ ردّ عَلَى القائلين بعدم وقوع الطَّلاق البِدْعِيّ، لاسيما من طلقت بعد المسيس؛ إذ إن الحق?أَمرها أَلا تكتم حملها-إن وجد-رغبة منها وقصْداً فِي الخلاص من زوجها السابق كرها له وبغضاً ..
فما رأيكم.؟