وأنت تتحفظ على قول أخيك أبي أسامة الحنبلي بأن هذه عصبية متأصلة، فكيف لو سمعت الذي نقل لك عن الإمام ما نقل يصف هذه بالعنصرية، فماذا تقول إذا؟ والعنصرية مذهب قد عرف خبث منبته، فكيف توصف به اجتهادات من أجمع الناس على علمه وفضله؟ أليس هذا من أعاجيب الزمان؟!!
اسمع أخي – هداني الله وإياك وجميع الأحباب لما فيه الخير والرشد – ما جاء في المدونة عن الإمام وتلميذه فيما سألت عنه - خاصة - ثم احكم بعدُ:
قلت – القائل سحنون -: أرأيت إن كانت ثيبا فخطب الخاطب إليها نفسها، فأبى والدها أو وليها أن يزوجها، فرفعت ذلك للسلطان وهو دونها في الحسب والشرف، إلا أنه كفء في الدين، فرضيت به، وأبى الولي. قال – ابن القاسم -: يزوجها السلطان ولا ينظر إلى قول الأب والولي إذا رضيت به، وكان كفؤا في دينه، قال وهذا قول مالك.
قلت: أرأيت إن كان كفؤا في الدين، ولم يكن كفؤا لها في المال فرضيت به، وأبى الولي أن يرضى أن يزوجها منه، أيزوجها منه السلطان أم لا؟ قال: ما سمعت من مالك في هذا شيئا، إلا أني سألت مالكا عن نكاح الموالي في العرب، فقال: لا بأس بذلك، ألا ترى إلى ما قال الله في كتابه: {يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. قلت: أرأيت إن رضيت بعبد وهي امرأة من العرب وأبى الأب أو الولي أن يزوجها وهي ثيب أيزوجها منه السلطان أم لا؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا ما أخبرتك. قال: ولقد قيل لمالك إن بعض هؤلاء القوم فرقوا بين عربية ومولاة، فأعظم ذلك إعظاما شديدا. وقال: أهل الإسلام كلهم بعضهم لبعض أكفاء، لقول الله في التنزيل: {إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. المدونة 4/ 13 - 14 طبعة محمد ساسي المغربي.
ومذهب مالك في هذا كله ما ذكره الإمام خليل بن إسحاق في مختصره الذي به الفتوى عندهم، قال: والكفاءة الدين والحال ... والمولى وغير الشريف والأقل جاها كفء، وفي العبد تأويلان.
قلت: والحال عندهم السلامة من العيوب التي يثبت للزوجة بها الخيار.
أما النقل الذي ذكر لك فهو في أمر آخر يتعلق بمسألة الولاية في النكاح، وللإمام فيها قولان، أحدهما ما ذكره ابن حزم – رحمه الله - وإن لم يذكر أول كلامه، والثاني كالشريفة، والذي دعى الإمام لقول ذلك النظر إلى مصلحة الضعفاء من الناس، ومراعاة قول من لا يرى وجوب اشتراط الولي في النكاح أصلا، فالمسألة - أخي – مبنية على النظر في مقاصد التشريع و مراعاة مصالح المسلمين، وليس للعصبية ولا للعنصرية هنا مكان من بعيد ولا من قريب.
قال الإمام ابن أبي زيد القيرواني في كتابه [الذب عن مذهب مالك في شيء من أصوله وبعض مسائل من فروعه، وكشف ما لبّس به بعض أهل الخلاف، وجهله من محاج الأسلاف]:
(وقد علمنا أن ما أُمرنا به (ألا نكاح إلا بولي) أن ذلك ليحصنها الأولياء أن تضع نفسها في دناءة، وفي من ليس لها بكفء.
وقد فرق الله بينهما في غير شيء. وفي نكاح التفويض من تزوج فقيرة على تفويض وكذا غنية يتفاوت صداق نكاحها، وكذلك تختلف العطايا بالاتفاق عليهما.
وكذلك ما على الغني من النفقة أكثر مما على الفقير). نقلت هذا من نسخة وحيدة سقيمة.
وقد أوضح بعض هذا الإمام ابن العربي – رحمه الله – فلعله من هنا اغترف، فقال في القبس2/ 688 - 689: (ولما كانت فائدة الولي في النكاح حفظ المرأة من الوقوع في غير الكفء فتلوث نفسها، وتلحق العار بحسبها، رأى مالك - رضي الله عنه - أن الدنيئة المقطوعة لا يرتبط أمرها بولي، في إحدى رواياته، لأن الذي يخاف منها، والمعنى الذي اعتبر الولي لأجله معدوم فيها، وتارة ألحق الدنيئة بالشريفة أخذا بعموم الحديث وهو الأسلم في النظر، والأسلم في الحسب، فإن تمييز الدنيئة من الشريفة يعسر في المراتب فسد الباب أولى).
ثم اعلم – أخي – أن هذا الذي ذهب إليه الإمام إنما هو بعد الوقوع والنزول، وأما ابتداء ذلك فالمذهب أنه لا يجوز، وقيل بالكراهة.
أخي سلطان العتيبي – سدد الله خطاك – أحسنت أخي في ذبك الحسن عن أهل العلم، وكذلك يكون النظر إلى اجتهادات الأئمة الثقات العدول الأبرار.
أخي العزيز أستسمحك عذرا: لو كان من ضمن البقية أن تذكر لي أين نص الإمام مالك على اعتبار النسب ضمن الكفاءة في النكاح؟
ثم انطلقوا أيها الأحباب - راشدين موفقين - في مناقشة مذاهب أهل العلم في هذه المسألة.
ـ[ابن وهب]ــــــــ[03 - 12 - 04, 02:31 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا الحبيب ابن عبدالبر
أحسنتم في طرح هذا الموضوع القيم والذي له بعد اجتماعي والذي أود أن أخوض فيه
(ولعل ذلك في مشاركة قادمة)
(نقل مهنا عن أحمد أنه ذكر إبراهيم بن محمد بن طلحة قال: قال عمر: " لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء" قال: فقلت له: "هذا مرسل عن عمر؟ " قال نعم ولكن إبراهيم بن محمد بن طلحة كبير.
)]
وعن الإمام أحمد
(وسئل المولى يتزوج العربية؟ قال: لو كنت أنا فرقت بينهماا
قال ابن هانىء (وسألته عمن يزوج ابنته من مولى قال:أفرق بينهما ثم قال:العرب للعرب كفء وقريش لقريش كفء ثم قال:أرأيت لو أن زنجيا تزوج من ولد فاطمة فأنكره وقال: هذا قول الشعوبية) من
¥