يعني – رحمه الله – ما رواه مالك في (الموطأ)، و رواه هو من طريقه: " عن المغيرة بن حكيم أنه رأى عبد الله بن عمر يرجع من سجدتين من الصلاة على صدور قدميه فلما انصرف ذكرت ذلك له فقال إنها ليست بسنة الصلاة وإنما أفعل ذلك من أجل أن أشتكي." (9594)
قلت: و اعتراضه مردود من جهتين؛
الأولى: أنّ المراد بالسجدتين الركعتان، و هذا الإطلاق موجود في السنة، كحديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي قال فيه: " صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الظهر سجدتين، وبعدها سجدتين، وبعد المغرب سجدتين، وبعد العشاء سجدتين، وبعد الجمعة سجدتين. فأما المغرب والعشاء والجمعة فصليت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ". رواه البخاري (1119) ومسلم في صحيحه (729).
و الثانية: الفرق بين قوله " يرجع " و " ينهض " على صدور قدميه. و قد ورد بلفظ " تربع " كما في مصنف عبد الرزاق (3044) عن طريق مالك أيضًا.
و عن وهب بن كيسان قال: " رأيت ابن الزبير إذا سجد السجدة الثانية قام كما هو على صدور قدميه " ابن أبي شيبة (3983 و 3984) بإسناد صحيح كما قال الحافظ في (الفتح2/ 304)
و عن عطاء: " أنه رأى معاوية إذا رفع رأسه من السجود لم يتلبث قال: ينهض وهو يكبر في نهضته للقيام " عبد الرزاق (2960)
و عن النعمان بن أبي عياش قال: " أدركت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا رفع رأسه من السجدة في أول ركعة والثالثة قام كما هو ولم يجلس " ابن أبي شيبة (3989) و عزاه الحافظ في (التلخيص1/ 259) لابن المنذر.
و النعمان من أبناء كبار الصحابة، كما في (الكاشف للذهبي2/ 323).
و روى ابن أبي شيبة في (المصنف3987) بسند صحيح عن الزهري قال " كان أشياخنا لا يمايلون يعني إذا رفع أحدهم رأسه من السجدة الثانية في الركعة الأولى والثالثة ينهض كما هو ولم يجلس "
قلت: و أشياخ الإمام الزهري لا يحصون عددًا، فيهم الصحابة؛ و منهم:
عبد الله بن عمر بن الخطاب
وعبد الله بن جعفر
وربيعة بن عباد
والمسور بن مخرمة
وعبد الرحمن بن أزهر
وعبد الله بن عامر بن ربيعة
وسهل بن سعد
وأنس بن مالك
وجابر بن عبد الله
وأبو الطفيل
والسائب بن يزيد
ومحمود بن الربيع
ومحمد بن لبيد
وغيرهم كثير ... و أمّا شيوخه من كبار التابعين و أبناء الصحابة فأكثر من أن يحيط بهم قلم. و لمن أراد معرفة بعضهم فعليه بكتب التراجم و السير.
و بعد ...
هل يستطيع الذين يقولون بسُنّيّة جلسة الإستراحة أن يأتوا بصحابي واحد – خارج حديثي مالك بن الحويرث و أبي حميد – ممّن يجلس تلك الجلسة؟؟؟
أم يقولون: أنّ في حديث أبي حميد الساعدي عشرة من الصحابة أقرّوا الصلاة التي اشتملت على جلسة الإستراحة. فنقول لهم: كما أنهم أقروا إثباتها من طريق عبد الحميد، فقد أقرّوا نفيها من طريق محمد بن عمرو عن عباس. و ليس إحداهما بأولى من الأخرى ... و لم يبقَ لهم سوى رواية خالد الحذاء الفردة، التي خالف فيها مَن هو أثبت منه. و لا شيء غيرها ...
حتى أنّ الترمذي حينما ذكر حديث أبي هريرة في النهوض على صدور القدمين قال – على الرغم من ضعف سنده -: "حديث أبي هريرة عليه العمل عند أهل العلم يختارون أن ينهض الرجل في الصلاة على صدور قدميه ". و تعقّبه الشارح المباركفوري رحمه الله بقوله: لو قال الترمذي عليه العمل عند بعض أهل العلم أو عند أكثر أهل العلم لكان أولى فإنه قد قال في الباب المتقدم بعد رواية حديث مالك بن الحويرث: والعمل عليه عند بعض أهل العلم وبه يقول أصحابنا. (التحفة2/ 147)
قلت: اعتراض المباركفوري رحمه الله لا وجه له. و الترمذي دقيق في كل عبارة يقولها، و إنما قال ما قال لنُدرة من يعمل بذلك الحديث، و كأنهم لقلّتهم صاروا عدمًا، فلم يعتدّ بهم.
مذاهب الأئمّة:
¥