تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نفيها فهو ثابت في حديث البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب

الشهر هكذا وهكذا ..

فهذا الحديث تضمن النهي من وجوه:

الأول: أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا نحسب، وهو نفي في معنى النهي. أي أننا لا نفعل

الحساب ولا نعتمد عليه كما تعتمد عليه الأمم الأخرى، فلا يكون هذا منا ونحن الأمة الأمية

وعلى هذا فـ (لا) إذا كانت نافية فقد أفادت نفي الفعل، ولكن الفعل موجود في هذه الأمة واقع

لا محالة فلزم تأويل النفي بالنهي، هو المقصود. .

الثاني: قوله: نحن أمة أمية يفيد لزوم الحيدة عن طريقة الأمم الأخرى، لأن معنى أمية

أي أمة قائدة رائدة (وهو التفسير الراجح للأمية وسيأتي) أو أمة لا تعول على الحساب

في شرعياتها فلزم الاختصاص بذلك والمحافظة عليه لما فيه من تسهيل على البشرية،

والمقتضى (بفتح الضاد) أن العمل بالحساب فيه تعسير وخروج عن معنى الأمية وهو انحراف

عن مقصود الرسول صلى الله عليه وسلم من التمدح بأمية هذه الأمية، وكل انحراف عن

مقصود المشرع فهو منهي عنه.

الثالث: قوله: الشهر كهذا وهكذا .. فهو واضح في نبذ الحساب والتعويل عليه، لأن الحساب

الفلكي لا يعد الشهر القمري بطريقة سهلة كما عدها النبي صلى الله عليه وسلم، أي أن الشهر

تارة هكذا ثلاثون وتارة هكذا تسعة وعشرون بحسب الرؤية البصرية الشرعية، ولكن الحساب

يضع معايير وموازين تجعل هذا العد السهل للشهر القمري مستحيلا على آحاد الأمة بل على

خواصها أيضا. وما كان كذلك فهو مصادم لمقصود الشريعة من التيسير، وإذا كان ذلك كذلك

فهو منهي عنه لأن الله قال: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).

وأما الثالث: وهو كون الشريعة صرحت بوجوب وضده ...

لأن الشرع علق الصيام بالرؤية البصرية الشرعية وهو الثابت في النصوص المستفيضة عن

النبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله: (إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا .. ) وهذا أمر

واضح بضد الحساب ومقابله، لأن الرؤية البصرية فعل حسي يعتمد على آلة البصر، وأما

الحساب فهو فعل عقلي يعتمد على آلة الذهن وهما ضدان، فالأمر بأحداهما يستلزم نفي الآخر

بالضرورة، لأن الضدان لا يرتفعان. وكأن معنى الحديث: صوموا للرؤية، فلو كان للحساب

مكان في الاعتماد والتعويل لكان في الحديث خلل وفي تبليغ الرسول نقص وحاشاه صلى

الله عليه وسلم وقد أوتي جوامع الكلم.

واجتماع هذه الثلاثة (عدم الأمر بشيء مع قيام المقتضي له) ثم النهي عنه، ثم الأمر

بضده ومقابله كاف في إبطال هذا الشيء ونبذه وعدم التعويل عليه.

الثالثة: أن الأمة الإسلامية أمة قائدة رائدة، وقد جاءت كليات الشريعة بالنهي عن التشبه

بالكفار والمشركين وخاصة في أمرو التعبدات، ومن هذا الجنس قوله صلى الله عليه وسلم

(نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)، فهذا نهي صريح عن عدم التشبه بالأمم الأخرى

وخاصة في عبادة الصوم ورؤية الأهلة وعد الأيام والشهور، وقد أخطأ من زعم أن الحديث

يتحدث عن عصر النبي صلى الله عليه وسلم حينما كانت الأمة الإسلامية أمة لا تحسن

الحساب والكتابة أما وقد تطورت هذه الأمة وتمدنت فلم يعد مقصود الحديث معمولا به،

وقد استعملت أكثر العبارات أدبا، وإلا فإن كل عبارات من تأول الحديث بهذا المعنى

ينادي على سنة النبي صلى الله عليه وسلم بالجهل والتخلف ... والرد على هذا التاويل من

وجوه:

الأول: أن قوله صلى الله عليه وسلم (نحن أمة .. ) هذه العبارة تفيد الافتخار فكان ما يتضمنه

المفتخر به مستلزم الدوام والسيرورة، لأن الحديث عن الأمة وهو تعبير يطلق على كل من

اتبع النبي صلى الله عليه وسلم دون تخصيص بعصر ... فلم يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم

جيله فقط لأمور: منها أنه نحن .. ومنها أنه قال: أمية وهي عبارة قرآنية لا تفيد جيلا دون جيل ..

ومنها أن الحديث يتحدث عن تشريع، والتشريع لا يختص بالصحابة أو جيل النبي صلى الله

عليه وسلم فقط، بل هو للأمة جمعاء ... وما كان كذلك لزم أن يدوم أمره ويستمر ذكره، وهذا

يستدعي أن يكون المفتخر به مستمرا.

الثاني: وقد فهم البعض أن المفتخر به هو عدم الكتابة وعدم الحساب مطلقا، وليس كذلك،

فالحديث له سياق، وسياقه في بيان ما يعتمد عليه في بدء الصيام، فلا يجوز تأويل المعنى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير