البصرية يكون بما هو معلوم بالضرورة من المشاهدات المجربة، ولا يكون تصحيح الرؤية
بالحساب جزما، والقول بجعل الحساب معيارا لتصحيح الرؤية البصرية قول ساقط مرذول
لم يعول عليه أحد من الأئمة المعتبرين.
والله أعلم.
يتبع الفصل الثاني.
ـ[رضا أحمد صمدي]ــــــــ[15 - 12 - 04, 07:25 م]ـ
الفصل الثاني: في بيان بطلان الاعتماد على الحساب الفلكي بكل صوره في الشرعيات.
وفيه عشر مسائل، خمس منها الاستدلال فيها شرعي، أي بالأدلة الشرعية، وخمس منها عقلي
أي بالأدلة ا لعقلية والفلكية الحسابية.
الأولى:
بطلان قضية في حكم الشرع مبدؤه كون تلك القضية مما اختصت الشريعة ببيان
حقيقته وحكمه وصفته، فلو قام مكلف بتلك القضية على غير البيان الشرعي كانت القضية
باطلة، ولذلك عرف الأصوليون البطلان أو الفساد بأنه مخالفة الفعل للشرع.
والبطلان حكم شرعي يتعلق بفعل المكلف، فلا يخضع للذوق أو الهوى أو الرأي المحض
بل لا بد من أن يعضده الدليل وينتهض به تصريح الشرع.
الثانية:
حتى يتحقق بطلان أمر في الشرع فلا بد من توافر ثلاثة أمور:
الأول: كون الشريعة لم تأمر به مع وجود المقتضي له.
الثاني: كون الشريعة نهت عنه.
الثالث: كون الشريعة صرحت بوجوب نقيضه وضده
حتى ولو يأت لفظ صريح بالإبطال، فوجود تلك الأمور كاف في تحقيق الإبطال.
والاعتماد على الحساب في رؤية الأهلة أو إثبات رؤيتها أو نفيه وردت عليه الأمور الثلاثة
السالفة.
فأما الأول:
فكل نصوص الشريعة ذات الصلة لم تأمر أو تحض على الحساب ليعتمد
عليه في الأهلة، هذا مع قيام المقتضي وهو أن الحساب يساعد على تصحيح الرؤية ويعين
على تحري الدقة عند رؤية الهلال، ومع ذلك لم تأمر به الشريعة.
وما زعمه البعض من أن قوله صلى الله عليه وسلم (فاقدروا له .. ) خاص
بمن عنده علم الحساب فتأويل فاسد وتفسير باطل لأنه مصادم للنص الذي فسر هذه اللفظة أعني
(فاقدروا له) والمعنى كما صرح به جمع من المحدثين مثل ابن حبان وغيره: أي عدوا شعبان
ثلاثين، ما وردت بعض الروايات به.فلا مجال لتأويل لفظ النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود
ما يفسره من لفظه صلى الله عليه وسلم وإلا كان تقدما بين يديه صلى الله عليه وسلم، والله يقول:
يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله .. ).
أما ما يستند إليه الفلكيون من وجود آيات في القرآن تحض على الحساب مثل قوله تعالى: (لتعلموا
عدد السنين والحساب .. ) ونحو ذلك ففيه أمور:
الأول: أنها غير ذات صلة بموضوعنا، لأن تلك الآيات تتحدث عن عد السنين أو التأريخ، وهذا
عام، وكلامنا في الاعتماد على الحساب في الرؤية نفيا وإثباتا وهذا أمر خاص، وقد وردت فيه
نصوص خاصة، فلا يجوز حمل الخاص على العام إجماعا.
الثاني: أن الآيات المذكورة لم تتحدث عن الحساب الفلكي الاصطلاحي، ولكن تتحدث عن الحساب
العادي الذي يعتمد عليه العامة، فالله جعل لنا الشمس والقمر حسبانا لأجل عد الأيام والليالي والشهور
والسنين، وليس في هذا شيء مما يتعلق بحساب الاقتران أو الكسوف أو نحوه مما يفعله الحاسبون
الفلكيون.
الثالث: أن الآيات المذكورة لو كانت تحض على تعلم الحساب واعتماده في إثبات ونفي رؤية الأهلة
لبادر السلف إلى تعلمه، بل لابتدرته المدارس الإسلامية في أوج ازدهارها إبان الحضارة الإسلامية
الزاهرة، وكانت المدارس الإسلامية تعج بالعلوم العصرية كالرياضيات والهندسة بل والفلك ولكن
لم يتجرأ أحد من أولئك الفلكيين أن يجعل علم الحساب الفلكي معيارا لرؤية الأهلة ولم يسمح له
بذلك أحد من المتشرعة، فدل على أن تأويل الآية مخالف لما عليه فهم السلف وعلماء الأمة كافة،
بل يمكن أن يقال إن دلالة الآيات على فهم الناصرين للحساب الفلكي ستدل على وجوب تعلم
علم الفلك لأن التيقن من صحة الرؤية لن يتم إلا به (على رأيهم وقولهم إذ كل رؤية بصرية يعتريها
الخطأ ما لم تتعضد بالحساب الفلكي الذي يساعد على تصحيح الرؤية) وما لا يتم الواجب إلا
به فهو واجب، وهذا وحده كاف في إبطال التأويل المذكور للآيات ذات الصلة لأنه لم يقل به أحد
من علماء الأمة أعني وجوب تعلم الحساب الفلكي.
وأما الثاني وهو كون الشريعة نهت عن الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات الرؤية أو
¥