تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كل من نظر في الشريعة الإسلامية أصولها وفروعها ظهر له وبشكل قطعي أن مبتنى أحكامها على السماحة واليسر وقد دلت على ذلك الكثير من النصوص والدلالات الشرعية من الكتاب والسنة والآثار المختلفة. ومن ذلك قوله - تعالى -:"يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" [البقرة 185] والوجه الذي تحمل عليه هذه الآية هو عموم اللفظ في جميع أمور الدين الدينية والأخروية وهو ما ذهب أليه جماعة من المفسرين (5) وأكد المولى - عز وجل - المعنى الوارد في الآية السابقة، بقوله:"فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا" [الانشراح 5 - 6] وقد قال صلى الله عليه وسلم في تفسيرها:"لن يغلب عسر يسرين" (6). إن الإسلام دين الفطرة ومعلوم أن الفطرة في الجملة راجعة إلى الجبلة، وهي مضادة للشدّة والعنت وتنفّر منها فكان على الشريعة حتى تلائم هذا الوصف في النفوس أن تكون سهلة سمحة، وهذا هو الضمان القويّ لنفوذها في الخلق. يقول الإمام الشاطبي رحمة الله:"إن الله وضع هذه الشريعة المباركة حنيفية سمحة سهلة حفظ فيها على الخلق قلوبهم وحببها لهم بذلك، فلو عملوا على خلاف السماح والسهولة لدخل عليهم فيما كلّفوا ما لا تخلص به أعمالهم" (7).

وموضوع التأمين من العقود التي استجدت في عصرنا الحاضر ولا يختلف اثنان أن الغاية منه هو تفتيت الأخطار عن المشتركين فيه وأن يتحملوا مسؤولية تخفيف الأضرار عمن نزلت به الكارثة منهم وأصابه هلاك في ماله أو تجارته. وهذه الغاية محمودة شرعاً وحاجة الناس إليها ماسة وعظيمة، فإن كان تحقيقها من خلال عقد معاوضة يحصل فيها المؤمّن على قسط ثابت من المال في مقابل تحمله كلا الأضرار التي تقع على المومّن كان هذا العقد ممنوعاً (8).

أما إذا كان العقد يقصد به التبرع والتعاون بين المؤمنين فهذا جائز بناء على رأي كثير من الهيئات الشرعية والمجامع الفقهية (9) فما دام أن الحاجة إليه ماسة ونفعه كبير لكثير من الناس فما المانع أن يُبحث له عن صيغة مقبولة شرعاً وتعمم على الجهات ذات النفع المشترك من هذه العقود.

إن التباطؤ في أيجاد الصيغ الشرعية المقبولة لهذه العقود قد يُفهم منه إما عجز في الشريعة _ وحاشاها ذلك _ أو عجز في العلماء أنهم لم يستطيعوا إيجاد مثل هذه الصيغ_ ولا أظنه كذلك _ و الذي ينبغي في هذا المقام أن يبادر العلماء في علاج هذه النازلة وذلك أن شريعة السماحة واليسر لا يمكن أن تترك الناس في حرج وضيق لعقد من العقود التي يحتاجونها حاجة ماسة وفيها مقومات السعة والتخفيف على الناس.

2 - إيجاد المخرج الشرعي المخلص من الإثم في المستجدات المعاصرة ضرورة واقعية.

من الدواعي لتكرار النظر في مسألة التأمين التعاوني الذي أصبح أمراً ملزماً للناس في البلاد هو أيجاد المخرج الشرعي لهم إذ لو أغلق المفتي الباب في مثل هذه المسألة المترددة بين الإباحة والحظر- عند البعض -وشددّ فيها القول سداً للذريعة المتوقعة مع وقوع الاحتياج الظاهر لها لأدى هذا إلى انفضاض الناس من حول الدين وربما يؤدي إلى غرقهم في مسائل أكثر شناعة وحرمة من غير حاجة إلى سؤال أهل العلم أو معرفة رأي الشرع فيها، ولذلك كان من المهم سد الذرائع المفضية إلى مفاسد راجحة وإن كانت ذريعة في نفسها مباحة، كما ينبغي فتح الذرائع إذا كانت تفضي إلى طاعات وقربات مصلحتها راحجة (10)

إن البحث عن المخارج الشرعية المخلصة من المآثم منهج شرعي معتبر قد يحتاج إليه المفتي أو الفقيه في بعض المسائل النازلة بالناس وليس ذلك من التحايل المذموم.

وقد فصّل الإمام ابن القيم في هذه المسألة حيث قال:"لا يجوز للمفتي تتبع الحيل المحرمة والمكروهة، ولا تتبع الرخص لمن أراد نفعه، فإن تتبع ذلك فسق وحرم استفتاؤه، فإن حسن قصده في حيلة جائزة لا شبهة فيها ولا مفسدة؛ لتخليص المستفتي بها من حرج جاز ذلك، بل أستحب، وقد أرشد الله نبيه أيوب - عليه السلام - إلى التخلص من الحنث بأن يأخذ بيده ضغثاً فيضرب به المرأة ضربة واحدة، وأرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - بلالاً إلى بيع التمر بدراهم، ثم يشتري بالدراهم تمراً آخر فيخلص من الربا.

فأحسن المخارج ما خلّص من المآثم وأقبح الحيل ما أوقع في المحارم أو أسقط ما أوجبه الله ورسوله من الحق اللازم والله الموفق للصواب" (11).

3 - فقه العقود والمعاملات هو فقه الضرورات (12).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير