تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن من المسلمات فقهاً أن عقود المعاملات ضرورية للحياة الاجتماعية وتختل بدونها الحياة، ولا تسير أمور المجتمع الإنساني على استقامة واعتدال؛ ذلك أن علاقة البشر بعضهم ببعض علاقة تكامل واحتياج متبادل، ولذلك تنوعت صور العقود والمعاملات المالية من بيع وإجارة وسلم واستصناع وكفالة و غيرها، ولو جرت المعاملات على نمط واحد دون تنوع وتعدد لأدى إلى مشقة بالغة ولما نمت الحياة وتطورت.

يقول الإمام السيوطي - رحمة الله -:"ومن التخفيف جواز العقود الجائزة، لأن لزومها يشق، ويكون سبباً لعدم تعاطيها ومن التخفيف أيضاً: لزوم اللازم وإلا لم يستقر بيع ولا غيره" (13)

فالشرع قد نظر إلى مصلحة العباد واحتياجاتهم الضرورية، فرفع عنهم المشقة والحرج بإباحته لهم ضروباً من المعاملات، وأصنافاً من المشاركات، والمضاربات وبلأخص تلك العقود التي يحتاجها أغلب المجتمع و لا ينفك من التلبس بها الا القليل من الناس، فجعل الشرع السبب في ذلك التخفيف هو:

(العسر وعموم البلوى) والمقصود بهذا المصطلح: حين يبلغ الأمر من الصعوبة حداً لا يستطيع أحد في (14) المجتمع لأن يتفاداه، فينجم عن هذا عفو الشارع، والسماح به، وعدم المؤاخذة عليه. وقال الفقهاء في مثل هذا:"إن ما عمت بليته خفت قضيته" (15) ومعظم العقود المالية على مذهب الحنفية وغيرهم هي ضرورة (16)، وأجيزت على خلاف القياس فبيع الموصوف في الذمة كالسلم جوّز على خلاف القياس؛ دفعاً لحاجة المفاليس، والإكتفاء برؤية ظاهر الصبرة، والأنموذج ومشروعية خيار الشرط دفعاً للندم، ومنه الرد بالعيب، والإقالة، والحوالة، والرهن، والضمان، والإبراء، والقرض والشركة، والصلح، والحجر، والوكالة، والإجارة، والمزارعة، والمساقاة وغير ذلك مما هو مبسوط في كتب الفقهاء، بل هناك من القضايا المعاصرة التي أجيزت على خلاف الراجح نظراً للحاجة العامة لها كالشرط الجزائي وبيوع الوفاء وبيع التورق وبيع المرابحة للآمر بالشراء. واعتقد والله أعلم أن عقد التأمين التعاوني الإلزامي لا يبتعد عما سبق ذكره من عقود صححتها الشريعة نتيجة لحاجة الناس إليها وإن خالفت القياس والقاعدة المطردة في عقود المعاملات، وإن طرأ فيها ما يخل بالعقد فاعتقد أيضاً أن مجال تصحيحه ممكن ومعلوم لأهل العلم 0 هذا مع علمنا أن الأصل في العقود الصحة إلا ما أبطله الشرع أو نهى عنه.

4 - فتح المجال للبديل المباح عند المنع من المحظور:

وهذا الأدب في الفتيا له من الأهمية القصوى في عصرنا الحاضر القدر العظيم، وذلك أن كثيراً من المستجدات الواقعة في مجتمعنا المسلم قادمة من مجتمعات كافرة أو منحلة لا تراعي القيم والثوابت الإسلامية، فتغزو مجتمعنا بكل قوة مؤثره ومغرية كحال كثير من المستجدات في العقود المالية وغيرها ولعل التأمين مثال حيٌّ لها.

فيحتاج الفقيه إزاءها أن يقر ما هو مقبول مباح شرعاً ويمنع ما هو محظور أو محرم مع بيانه لحكمة ذلك المنع وفتح العوض المناسب والاجتهاد في وضع البدائل المباحة شرعاً حماية للدين وإصلاحاً للناس. وهذا من الفقه والنصح في دين الله - عز وجل -.

كما قال ابن القيم - رحمة الله -:"من فقه المفتي ونصحه إذا سأله المستفتي عن شيء فمنعه منه وكانت حاجته تدعو إليه، أن يدله على ما هو عوض له منه، فيسّد عليه باب المحظور ويفتح له باب المباح وهذا لا يتأتى إلا من عالم ناصح مشفق قد تاجر مع الله وعامله بعلمه، فمثالة من العلماء: مثال الطبيب العالم الناصح في الأطباء، يحمي العليل عما يضره، ويصف له ما ينفعه، فهذا شأن أطباء الأديان والأبدان.

وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم" (17) وهذا شأن خلق الرسل وورثتهم من بعدهم" (18)

إن البحث عن البديل المباح عند المنع من المحظور هو مهمة العالم الثقة وإذا لم يقم بهذا الدور العظيم فلربما يُعتلى من قبل خلاق لهم في العلم أو الورع فيسيروا بهم نحو الانحلال هروباً من العنت والحرج زعموا.

وما أحسن ما قاله الإمام سفيان الثورى - رحمة الله -:"إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة فأما التشدد فيحسنه كل أحد" (19)

5 - حكم الحاكم يرفع الخلاف

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير