وهنا أذكِّر السائل أن الحديث الذي ذكره، والخبر الذي ورد فيه، كان في زمن السبي والاسترقاق فيه قانون معمول به لدى جميع الشعوب على مختلف الديانات. فالسبي جائز لا عند المسلمين وحدهم، بل هو جائز عند اليهود والنصارى أيضاً، فقد امتلأ الكتاب المقدس عند اليهود والنصارى بذكر سبي أنبياء بني إسرائيل لأعدائهم، بل فيه تسخير شعوب بأكملها، كما في سفر الملوك الأول (9/ 15 - 23).
وعلى هذا فقول السائل: نحن لا نحب أن يحدث ذلك لنا، فكيف نحب أن يقع لغيرنا؟! سؤال في غير محله؛ لأن الذي وقع في ذلك الحديث وقع مع قوم كانوا يسبون النساء وينكحوهن بذلك ولو قدروا- وقد قدروا مرات أخرى – على نساء المسلمين بالسبي، وبغير السبي، لاعتدوا عليهن. فلو لم يكن في نكاح نسائهم إلا المعاملة بالمثل، لكفى بذلك جواباً على السؤال الذي طرحه الأخ السائل.
وأنا أنصح الأخ السائل بنصيحتين:
الأولى: أنه ما دام مسلماً، فعليه أن يعلم أن الحكم الشرعي، ما دام أنه حكم شرعي، فهو حكم الله –تعالى-. فلا يعترض عليه، ولا يكون في القلب منه حرج؛ لأننا خلق الله –تعالى-، وهو بنا أعلم وأرحم وأحكم .. سبحانه وتعالى. قال الله –تعالى-: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" [الأحزاب: 36].
وعليه أن يستحضر في علمه وقلبه أدلة صدق نبوة خاتم الأنبياء محمد -صلى الله عليه وسلم-، فما دام أنه -صلى الله عليه وسلم- رسول الله –تعالى-، فأحكام الدين الذي بلغه للناس هي أحكام الله –تعالى-. وما دامت أحكام الله –تعالى-، فالله –تعالى- أعلم وأحكم وأعدل من أن يجري في أحكامه غير الخير كله والعدل كله.
الثانية: أنه على كل عاقل حصيف، أن يتَّسع أفق أحكامه على الأمور، ولا يسمح لبيته ومجتمعه وحضارته وتقاليده وزمنه أن يضيِّقوا عليه ذلك الأفق. فإنه لا يفعل ذلك إلا قليل العقل، مغرور ببيئته ومجتمعه وحضارته وتقاليده وزمنه، فلا يظن إلا أنها هي وحدها موازين الحسن والقبح والقبول والرد، وكأنها خالدة إلى الأبد. أَوَما درى هذا المسكين أنه قد سبقه أناس في عصور بعيدة كانوا يظنون كما يظن، فبادوا، وبادت بيئتهم وحضارتهم وتقاليدهم، واستقبح الناس بعدهم ما كانوا يستحسونه، وردُّوا ما كانوا يقبلونه. وستبيد هذه البيئة وتقاليدها وحضارتها، وسيتبدل كثير من موازينها.
فلا يحق لأحد أن يستهجن أمراً (كالسبي والرق)، دامت عليه البشرية كلها، لألوف السنين؛ لأنه أصبح من قرن واحد أو قرنين فقط أمراً مستهجناً عند بعض الشعوب التي كانت لا تعرف في الرق إلا السخرة والتعذيب والاحتقار وانعدام جميع الحقوق.
لا يحق له ذلك؛ أولاً: لأنه ضيق أُفق تفكيره وأحكامه (كما سبق)، وقد يأتي اليوم الذي تستهجن فيه الناس استهجانه هذا، كما وقع له هو مع البشرية كلها لألوف السنين الماضية. وثانياً: لأنه قاس على صورة الرق عند غير المسلمين صورته وحالته عند المسلمين، وهذا قياس غير صحيح، كما تقدم ذكره باختصار بالغ. وإلا فالفرق كبير جداً، يحتاج بيانه إلى بسط أحكام الرق في الإسلام بصورة كاملة، مع بيان أوضاع الرقيق البغيضة عند غير المسلمين. وإذا كان الأخ السائل على غير اطلاع بذلك، فعليه أن يطلع على ذلك كله. فهو – أعني الاطلاع- شفاء صدره، وريُّ ظمئه. والله أعلم.
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه
ـ[أبو داود الكناني]ــــــــ[22 - 12 - 04, 03:17 م]ـ
أود أن أسأل فضيلتكم عن توجيهكم لهذا الحديث:
قال الإمام مسلم -رحمه الله-: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا حدثنا وكيع ح وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق جميعاً عن فضيل بن غزوان ح وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء واللفظ له حدثنا ابن فضيل عن أبيه عن أبي حازم عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض". ورواه الترمذي -رحمه الله- قال: حدثنا عبد بن حميد حدثنا يعلى بن عبيد عن فضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل الآية، الدجال والدابة وطلوع
¥