وفي مسألتنا هذه عندنا قول ابن عمر (كان إذا جلس)، فنقل الراوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا بلفظ (كان يفعل) اختلف فيه الأصوليون، هل يفيد العموم أم لا؟
والتحقيق أنه لا يفيد العموم وإنما يفيد مجرد التكرار، والتكرار غير العموم، لأن العموم في الأنواع وغاية ما يفيد التكرار في لفظ (كان) العموم في الأزمان، بمعنى أن قول الراوي (كان يفعل) يفيد تكرار وقوع الفعل لا عموم الفعل لجميع أفراده، وتطبيق ذلك على حديث ابن عمر السابق أن يقال قوله (كان إذا جلس في الصلاة) يفيد التكرار، بمعنى أنه يحرك السبابة ويتكرر منه هذا التحريك في مواضع، لكن هل كل أنواع الجلوس يكون فيها التحريك؟ يتوقف هذا على وجود المخصص.
والقول بأن صيغة (كان يفعل) تفيد التكرار هو الذي يؤيده استقراء النصوص، فإن من الأصوليين من يقول إن صيغة (كان يفعل) لا تفيد عموما أبدا لا في الأزمان ولا في الأنواع، ومنهم من يقول إنها تفيد العموم، والصحيح ما سبق كما ذكر ذلك صاحب شرح مراقي السعود المسمى مراقي السعود (ص 204) [وانظر المسودة ص 115]
ولذلك قال النووي في شرح مسلم عند شرحه لحديث عائشة رضي الله عنها في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتين بعد الوتر وهو جالس:" الصواب: أن هاتين الركعتين فعلهما صلى الله عليه وسلم بعد الوتر جالسا، لبيان جواز الصلاة بعد الوتر، وبيان جواز النفل جالسا، ولم يواظب على ذلك، بل فعله مرة أو مرتين أو مرات قليلة، ولا تغتر بقولها: كان يصلي، فإن المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين: أن لفظة (كان) لا يلزم منها الدوام ولا التكرار، وإنما هي فعل ماض يدل على وقوعه مرة، فإن دل دليل على التكرار عمل به، وإلا فلا تقتضيه بوضعها، وقد قالت عائشة - رضي الله عنها -: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف)، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد أن صحبته عائشة إلا حجة واحدة وهي حجة الوداع، فاستعملت (كان) في مرة واحدة، ولا يقال: لعلها طيبته في إحرامه بعمرة، لأن المعتمر لا يحل له الطيب قبل الطواف بالإجماع، فثبت أنها استعملت (كان) في مرة واحدة، كما قاله الأصوليون " ا. هـ
وعلى هذا فيقيد قوله (كان إذا جلس في الصلاة) بجلوس التشهد، فإن قيل فأين المثال الصحيح الذي تطبق عليه القاعدة السابقة؟
فالجواب أن الأصوليون ذكروا أمثلة واضحة في العموم مثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (أيما إهاب دبغ فقد طهر) مع قوله لما مر بشاة ميتة (هلا أخذتم إهابها فدبغتموه) فإن ذكر الشاة في الحديث الثاني لا يخصص عموم الحديث الأول، لأن الحديث الثاني من ذكر بعض أفراد العام بحكم لا يخالف العام.
2 - ما ورد في المسند من حديث وائل بن حجر قال (وسجد فوضع يديه حذو أذنيه ثم جلس فافترش رجله اليسرى ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى ثم أشار بسبابته ووضع الإبهام على الوسطى وقبض سائر أصابعه ثم سجد فكانت يداه حذاء أذنيه) [حم 4/ 317] قال شيخنا:" قال فيه صاحب الفتح الرباني إنه جيد وقال فيه المحشي على زاد المعاد إنه صحيح وإلى هذا ذهب ابن القيم رحمه الله " [الشرح الممتع 3/ 177]
والجواب أن هذه الرواية مخالفة لسائر الروايات مع عدم وجود متابع لها، ولهذا غمز ابن القيم هذه الرواية بعد ذكره لها فقال:" هكذا قال وائل بن حجر عنه " أي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[زاد المعاد 1/ 238] فالصحيح أن هذه الرواية إما إنها شاذة، أو أن يحمل قوله (ثم) على الترتيب الذكري، ومثال الترتيب الذكري قوله تعالى {هو الذي خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها} أي وجعل منها زوجها، لأنه من المعلوم أن الله جعل من آدم حواء ثم خلقنا منه [انظر السلسة الصحيحة 5/ 308، تمام المنة ص 214، لا جديد في أحكام الصلاة ص 37]
3 - أن الأصل بقاء اليد على الحالة المذكورة في الصلاة وهي القبض. [صفة الصلاة ص 25]
والجواب أننا لا نسلم بذلك، بل الأصل بقاء ما كان على ما كان، والأصل أن لا تثبت عبادة إلا بدليل.
والله أعلم
ـ[ابن وهب]ــــــــ[25 - 12 - 04, 04:51 م]ـ
جزاكم الله خيرا
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?s=&threadid=284&highlight=%CA%CD%D1%ED%DF
ـ[عبدالرحمن ابو عبد الله]ــــــــ[04 - 01 - 05, 03:03 ص]ـ
بارك الله في جميع الاخوة المشاركين و المشرفين
و أستسمحكم مرة اخرى في توسيع النقاش
بداية أقول لك أخي محمد رشيد هلا وضعت رابطا للنقاش الذي دار بينك و بين الاخ الحنبلي السلفي علني أستفيد منه
و أصدقك القول أن اجوبة الاخوة لم تقنعن بعد ـ قد أكون ثقيل الفهم ـ
و اليكم أخواني الشبهات
اخي محمد رشيد قلت أن القاعدة التي اعتمد عليها الشيخ العثيمين صحيحة و لكن الاشكال في تطبيقها اذ الحديث شاذ
و أنا أتساءل هل الشذوذ الذي تقصده هو نفس الشذوذ الذي عناه الشيخ الالباني رحمه الله اي زيادة" ثم سجد" حيث خالف عبد الرزاق جمع من الثقات. ان كان نعم فبارك الله فيك وضح لي هذا الشذوذ اذ ان تلك الروايات لا تعارض رواية عبد الرزاق فهي تصف الركعة الاولى و الجلوس هنا لا يمكن الا ان يكون بين السجدتين.
و ان كنت تقصد الشذوذ الذي ذهب اليه الاخ ابن وهب وهو تحريك الاصبع فالاشكال لا يزال قائما حتى و لو سلمنا جدلا بذلك اي ان وضعية اليدين في الجلوس بين السجدتين يجب ان تكون كما وصفت الاحاديث بتفادي الزيادة الشاذة لا بتعطيل كل الحديث ...
بارك الله فيك اخي مجرد انسان و سؤالي اليك ما هو الضابط لقولك ان مثل تلك العبارات تدل على التكرار و لا تفيد العموم و اليس التمسك بنص عام خير من الذي لا نص يعتمد عليه كحالتنا هذه؟
و معذرة على التطفل على شيوخ امثالكم فغايتي ان اعبد الله على علم مصداقا لقوله تعالى:" و لا تقف ما ليس لك به علم "
¥