ومثال الثاني: أكرمِ الطَّلبةَ، ثم قلت: لا تكرم فلاناً وهو من الطلبة، فهذا تخصيص؛ لأنني في الأول ذكرت فلاناً بحكم يوافق العام لدخوله في العموم، وهنا ذكرته بحكم يخالف العام، ولهذا يقولون في تعريف التَّخصيص: تخصيص بعض أفراد العام بحكم مخالف. أو: إخراج بعض أفراد العام من الحكم. فلا بُدَّ أن يكون مخالفاً، أما إذا كان موافقاً فإن جمهور الأصوليين كما حكاه صاحب «أضواء البيان» يرون أنه لا يفيد التَّخصيص، وهو ظاهر كما في المثال الذي ذكرناه. وعلى هذا فيكون بعض ألفاظ حديث ابن عمر الذي خَصَّ القبض بالتشهد لا يقتضي التخصيص من بعضِ ألفاظه الدَّالة على العموم. أمَّا الفقهاء - رحمهم الله - فقالوا: في هذه الجلسة يبسط يده اليُمنى كما يبسط يده اليُسرى، وبناءً على كلام الفقهاء: تكون كلُّ جلسة من جلسات الصلاة مخالفة للأخرى من أجل التمييز.
فالجلسة بين السَّجدتين: افتراش مع كون اليدين مبسوطتين.
وفي التشهد الأول: افتراش لكن اليُمنى تقبض.
وفي التشهد الأخير: تَورُّك، وإن كان يوافق التشهد الأول في قَبْضِ اليد، فهم - رحمهم الله - يجعلون لكلِّ جلسة صفة تميّزها عن الجلسات الأخرى.
قوله: «ويشير بسبابتها» أي: يشير بسبَّابته إلى أعلى.
والسَّبَّابة: ما بين الإبهام والوسطى، وسُمِّيت سَبَّابة، لأن الإنسان يُشيرُ بها عند السَّبِّ، وتُسَمَّى أيضاً سَبَّاحة، لأنه يُسَبَّح بها اللَّهُ؛ لأنه يُشيرُ بها عند تسبيح الله.
قوله: «في تشهده»: «في» للظَّرفية، والظَّرفُ أوسعُ مِن المظروف، فهل المراد: يُشيرُ بها في تشهُّدِه مِن حين ما يبدأ إلى أن ينتهي، أو المراد: يُشيرُ بها في تشهُّدِه في موضع الإشارة؟ كلامُ المؤلِّف فيه اُحتمال، لكن غيره بَيَّنَ أنه يُشيرُ بها عند وجودِ سبب الإشارة. وما هو سبب الإشارة؟
سببُهُ ذِكْرُ الله، واُختلف الفقهاءُ في معنى كلمة «ذِكْر الله» فقيل: عند ذِكْرِ الجلالة، وعلى هذا؛ فإذا قلت: التحيات لله - تُشِيرُ، السَّلام عليك أيُّها النبي ورحمة الله - تُشِيرُ، السَّلام علينا وعلى عباد الله - تُشِيرُ، أشهد أنْ لا إله إلا الله - تُشِيرُ، هذه أربع مرَّات في التشهُّدِ الأول. اللَّهم صَلِّ - خَمْس؛ لأن «اللهم» أصلُها «يآلله»، - اللَّهُمَّ بارك - سِتٌّ، أعوذ بالله مِن عذاب جهنم - سبع.
وقيل: المراد بذِكْرِ الله: الذِّكْر الخاصُّ وهو «لا إله إلا الله»، وعلى هذا؛ فلا يُشيرُ إلا مَرَّةً واحدةً، وذلك عندما يقول: أشهد أنْ لا إله إلا الله.
هذا اختلاف الفقهاء، ولكن السُّنَّة دَلَّت على أنه يُشير بها عند الدعاء فقط لأن لفظ
الحديث: «يُحرِّكُها يدعو بها» وقد وَرَدَ في الحديث نَفْيُ التَّحريك وإثباتُ التحريك. والجمعُ بينهما سهل: فنفيُ التَّحريك يُراد به التَّحريكُ الدَّائم، وإثباتُ التَّحريك يُراد به التَّحريكُ عند الدُّعاء، فكلما دعوت حرِّكْ إشارة إلى علوِّ المدعو سبحانه وتعالى،
وعلى هذا فنقول:
«السلام عليك أيُّها النبيِّ» فيه إشارة؛ لأن السَّلامَ خَبَرٌ بمعنى الدُّعاءِ، «السَّلامُ علينا» فيه إشارة، «اللهم صَلِّ على محمَّد» فيه إشارة، «اللهم بارك على محمَّد» فيه إشارة، «أعوذ بالله من عذاب جهنَّم» فيه إشارة، «ومِن عذاب القبر» فيه إشارة، «ومِن فتنة المحيا والممات» فيه إشارة، «ومِن فتنة المسيح الدَّجَّال» فيه إشارة، وكُلَّما دعوت تُشيرُ إشارةً إلى عُلُوِّ مَنْ تدعوه سبحانه وتعالى، وهذا أقربُ إلى السُّنَّة.
ـ[سعيد السلفي]ــــــــ[12 - 01 - 05, 10:33 م]ـ
الاخ الفاضل ابا سفيان
انا سمعت ذلك من الشيخ في درسه شرح صحيح الامام مسلم بشرح النووي
ـ[أبو عبد الرحمن الشهري]ــــــــ[13 - 01 - 05, 12:08 ص]ـ
أحب أن أنبه لاخوة إلى أن العموم هنا أستفيد من إسم الشرط وهو إذا في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - «إذا جلس في الصلاة»
ومعلوم عند لأصوليين أن أسماء الشرط من صيغ العموم
ومثله قوله تعالى (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) (البقرة: 156)
فعند كل مصيبة يقولون إنا لله ......
ـ[ابن وهب]ــــــــ[13 - 01 - 05, 12:39 ص]ـ
قال الإمام الترمذي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -
(باب مَا جَاءَ فِى الإِشَارَةِ فِى التَّشَهُّدِ. ()
¥