"فقد استخرت الله عز وجل في عمل هذا المصنف، ورتبته على حروف المعجم حتى في الآباء، ليقرب تناوله، ورمزت على اسم الرجل مَن أخرج له في كتابه من الأئمة الستة: "البخاري، ومسلم، وأبي داود، والنسائي والترمذي وابن ماجه برموزهم السائرة، فإن اجتمعوا على إخراج رجل فالرمز (ع) وإن اتفق عليه أرباب السنن الأربعة فالرمز (عو) اه.
قلت: من هذا يتبين أن الإمام مسلم لم يرو له احتجاجًا بل مقرونًا لأن الأئمة تركوا الاحتجاج به يظهر ذلك مما رمز له الذهبي (عو، م- مقرونًا).
وفي "التهذيب" (8 - 419) نقل الحافظ ابن حجر عن الحاكم إلى عبد الله أنه قال: "الليث بن أبي سليم، مجمع على سوء حفظه".
وقال الجوزجاني: يضعف حديثه.
وقال ابن معين: منكر الحديث.
وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وأبا زرعة يقولان: ليث لا يشتغل به هو مضطرب الحديث.
وقال أبو زرعة: ليث بن أبي سليم لين الحديث لا يقوم به الحجة عند أهل العلم بالحديث.
وقال مؤمل بن الفضل: قلنا لعيسى بن يونس لمَ لمْ تسمع من ليث قال: "قد رأيته وكان قد اختلط وكان يصعد المنارة ارتفاع النهار فيؤذن".
العلة الثالثة: بُهيَّة:
أوردها الإمام الذهبي في "الميزان" (1 - 356 - 1331) وقال: "بُهيَّة، عن عائشة وعنها أبو عقيل قال الأزدي: لا يقوم حديثها وقال الجوزجاني، سألت عنها كي أعرفها فأعياني". اه.
قلت: ولذلك قال الحافظ ابن حجر في "التقريب" (2 - 591): "بُهيَّة بالتصغير لا تعرف". اه.
من هذا يتبين أن سند القصة مسلسل بالعلل من اختلاط وجهالة وترك ونكارة فالقصة واهية ولا تصح.
رابعًا: قال المناوي: "معنى "دعوه يئن" أي دعوا المريض يستريح بالأنين أي يقول: آه ولا تنهوه عنه: "فإن الأنين اسم من أسماء الله تعالى" أي لفظ من أسمائه، لكن هذا لم يرد في صحيح ولا حسن، وأسماؤه تعالى توقيفية". اه.
قلت: هكذا بيَّن المناوي في تعليقه على هذا الحديث الذي جاءت به القصة أن اسم (اه) لم يرد في صحيح ولا حسن. ثم إن أسماء الله توقيفية.
خامسًا: القاعدة التوقيفية في الأسماء الحسنى:
قال الإمام ابن القيم في "بدائع الفوائد" (1 - 167) في القاعدة السابعة: "إن ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي".
ولقد بين ذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى" (ص13) القاعدة الخامسة حيث قال:
"أسماء الله توقيفية لا مجال للعقل فيها، وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة فلا يزاد فيها ولا ينقص؛ لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء فوجب الوقوف في ذلك على النص لقوله: ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا {الإسراء: 36}.
وقوله: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون {الأعراف: 33}.
ولأن تسميته تعالى بما لم يسم به نفسَه أو إنكار ما سمى به نفسه جناية في حقه تعالى فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص. اه.
سادسًا: خروج المتصوفة على القاعدة التوقيفية:
اسم الصدر (اه) لم يأت في الكتاب ولا السنة الصحيحة المطهرة، ولقد استدل أهل البدع بهذه القصة على اسم الصدر (اه) ولقد بينا أنها قصة باطلة لا تصح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (4 - 195): "فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله، أو أوجبه بقوله أو فعله، من غير أن يشرعه الله، فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذ شريكًا لله شرع في الدين ما لم يأذن به الله، قال الله تعالى: أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله" {الشورى: 21}.
سابعًا: حقيقة الإلحاد في أسماء الله:
قال تعالى: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون {الأعراف: 180}.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين" (1 - 30 - تحقيق الفقي): "وحقيقة الإلحاد فيها: العدول بها عن الصواب فيها، وإدخال ما ليس من معانيها فيها، وإخراج حقائق معانيها عنها، هذا حقيقة الإلحاد، ومن فعل ذلك فقد كذب على الله، ففسر ابن عباس الإلحاد بالكذب، أو هو غاية الملحد في أسمائه تعالى، فإنه إذا أدخل في معانيها ما ليس منها، وخرج بها عن حقائقها أو بعضها فقد عدل عن الصواب والحق، وهو حقيقة الإلحاد". اه.
هذا ما وفقني الله إليه، وهو وحده من وراء القصد.
ـ[أبو المقداد]ــــــــ[16 - 06 - 05, 12:30 م]ـ
جزاك الله خيرا ونفعنا بالشيخ علي وبعلومه وفوائده.