فمنه قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً). فالإيمان بالله يتضمن: الإيمان بصفاته. والإيمان بالكتاب الذي نزل على رسوله يتضمن: الإيمان بكل ما جاء فيه من صفات الله. وكون محمد صلى الله عليه وسلم رسوله يتضمن: الإيمان بكل ما أخبر به عن مرسِله، وهو الله – عز وجل.
وأما العقل:
فلأن الله تعالى أخبر بها عن نفسه، وهو أعلم بها من غيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثاً من غيره، فوجب إثباتها له كما أخبر بها من غير تردد، فإن التردد في الخبر إنما يتأتي حين يكون الخبر صادراً ممن يجوز عليه الجهل، أو الكذب، أو العي بحيث لا يفصح بما يريد، وكل هذه العيوب الثلاثة ممتنعة في حق الله – عز وجل – فوجب قبول خبره على ما أخبر به.
وهكذا نقول فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بربه وأصدقهم خبراً وأنصحهم إرادة، وأفصحهم بياناً، فوجب قبول ما أخبر به على ما هو عليه.
والصفات السلبية:
ما نفاها الله – سبحانه – عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات نقص في حقه كالموت، والنوم، والجهل، والنسيان، والعجز، والتعب.
فيجب نفيها عن الله تعالى – لما سبق – مع إثبات ضدها على الوجه الأكمل، وذلك:
1/ لأن ما نفاه الله تعالى عن نفسه فالمراد به بيان انتفائه لثبوت كمال ضده، لا لمجرد نفيه؛ لأن النفي ليس بكمال، إلا أن يتضمن ما يدل على الكمال، وذلك لأن النفي عدم، والعدم ليس بشيء، فضلاً عن أن يكون كمالاً،
2/ ولأن النفي قد يكون:
أ/ لعدم قابلية المحل له، فلا يكون كمالاً كما لو قلت: الجدار لا يظلم.
ب/ وقد يكون للعجز عن القيام به فيكون نقصاً، كما في قول الشاعر:
قبيلة لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل
وقول الآخر:
لكن قومي وإن كانوا ذوى حسب ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
مثال ذلك: قوله تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوت). فنفي الموت عنه يتضمن كمال حياته.
مثال آخر: قوله تعالى: (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً). نفي الظلم عنه يتضمن كمال عدله.
مثال ثالث: قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ). فنفي العجز عنه يتضمن كمال علمه وقدرته. ولهذا قال بعده: (إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً). لأن العجز سببه إما الجهل بأسباب الإيجاد، وإما قصور القدرة عنه فلكمال علم الله تعالى وقدرته لم يكن ليعجزه شيء في السموات ولا في الأرض.
وبهذا المثال علمنا أن الصفة السلبية قد تتضمن أكثر من كمال.
فوائد من تعليقات الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله:
يقول الشيخ إن صفات الله ثبوتية يعني صفات يجب إثباتها له, وسَلبية وهي سلب النقائص والعيوب, وهذا صيحيح,
وهذه صاغها شيخ الإسلام بعبارة أخرى وهي أن الله موصوف بالإثبات والنفي, بإثبات صفات الكمال من الحياة والعلم والسمع والبصر والعزة والرحمة والقدرة وبنفي النقائص فالله موصوف بالإثبات وموصوف بالنفي ونجد هذا في الآيات:
فقوله (قل هو الله احد الله الصمد) هذا إثبات
وقوله (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) هذا نفي,
[هل النفي يسمى سلب؟]
والنفي يسمى سلب,
فالله موصوف بإثبات الكمالات وموصوف بسلب النقائص,
[النوم والسنه والظلم والولد ليست صفات سلبية]
فالنوم والسِنَة والولد والظلم ليست هي الصفات السلبية التي نقول إن الله موصوف بصفات سلبية بل الصفات السلبية هي نفيها فالله موصوف بسلب هذه النقائص, فالصفة هي النفي, فنفي النقائص مما يوصف الله به.
[النفي الذي يوصف الله به هو النفي المتضمن لإثبات كمال]
والنفي الذي يوصف الله به هو النفي المتضمن لإثبات كمال كما قال الشيخ,
أما النفي المحض الذي لا إثبات فيه فهذا ليس بمدح ولا كمال,
وقد ذكر شيخ الإسلام هذا المعنى في القاعدة الأولى من القواعد التي ذكرها في التدمرية فقال: (واعلم أن النفي لا يكون مدحا ولا كمالا إلا إذا تضمن ثبوت فإن النفي المحض عدم محض والعدم المحض ليس بشيء وما ليس بشيء فهو كما قيل ليس بشيء فضلا عن أن يكون مدحا أو كمالا) ,
[أمثلة توضح ان النفي المحض ليس كمالا]
1/ وقالوا تمثيلا لهذا مثل وصف العاجز بأنه لا يظلم, فنفي الظلم عنه لعجزه لا لعدله,
2/ ومثل كون الشيء لا يُرى مطلقا فهذا ليس بمدح, يقول شيخ الإسلام (لأن المعدوم لا يُرى والمعدوم لا يوصف بمدح ولا كمال).
فكل نفي في صفات الله فإنه متضمن لإثبات كمال, فنفي الظلم يتضمن إثبات كمال العدل ونفي النوم والسنة والموت يتضمن كمال الحياة ونفي الضلال والنسيان يتضمن كمال العلم, الى آخره.
¥