قالَت أَلا لَيتما هَذا الحمام لنا إِلى حَمامتنا ونصفه فقدِ
يحفّهُ جانباً نيقٍ وتتبعهُ مثل الزجاجةِ لم تكحل من الرمدِ
فَحسبوه فَألفوه كَما حسبت تِسعاً وَتِسعين لم تنقص ولم تزدِ
فَكملت مائةً فيها حَمامتها وأَسرعت حسبةً في ذلك العددِ
وقال النابغة يخاطب النعمان ويقول
واحكم كحكم فتاة الحي إذْ نظرت إلى حمام شراع وارد الثمد
وقد ذكرها الأعشى في قصيدته التي يقول فيها:
ما نظرت ذات أشفار كنظرتها حقًّا كما صدق الذئبي إذ سجعا
إذ قلَّبت مقلة ليست بكاذبة إذ يرفع الآل (رأس الكلب) فارتفعا
قالت: أرى رجلا في كفه كتف أو يخصف النعل، لهفي أيَّةً صنعا!؟
فكذبوها بما قالت فصبحهم ذو آل حسان يزجي الموت والشرعا
فاستنزلوا أهل جو من منازلهم وهدموا شامخ البنيان فاتضعا
وفي البدء والتاريخ:
فَكَذَّبوها بِما قالَت فَصَبَّحَهُم ذوآل غسان يزجى السمر والسلعا
وقال الأعشى أيضا:
وحال على جديس يوم من الدهر مستطار
وقال الحارث بن حلزة:
أم علينا جرى إياد كما قيل لطسم أخوكم الأبّاء
كما أشار زهير إلى القبيلتين البائدتين في قوله:
عهدي بهم يوم باب القريتين وقد زال الهماليج بالفرسان واللجم
فاستبدلت بعدنا داراً يمانية ترعى الخريف فأدنى دارها ظلم
كما وردت الإشارة إليهم في شعر النمر بن تولب العكلي.
ومن أمثال العرب قول رؤبة: بوار طسم بيدي جديس.
ويذكرها أبو العتاهية في قصيدته الوعظية التي يقول فيها:
كأني بالتراب عليك ردماً بربع لا أرى لك فيه رسما
ألم تر أن أقسام المنايا توزع بيننا قسماً فقسما
سيفنينا الذي أفنى جديسا وأفنى قبلها إرما وطسما
وقد كان جذيمة الأبرش قد سار بجيشه لغزو اليمامة، فلما علم بفعل بفناء أهلها رجع وبقيت بقية من جيشه فظفر بهم حسان بن تبع، فقتلهم فلما بلغ جذيمة الخبر قال فيهم:
ربما أوفيت في عَلَمٍ ترفعن ثوبي شمالات
في فتوٍّ أنا رائبهم من كلال غزوة ماتوا
ليت شعري ما أماتهم؟ نحن أدلجنا وهم ماتوا
فلما أباد ملك اليمن جديساً، رحل نحو العراق يريد كيخسرو، وزحف إليه كيخسرو، فالتقوا، فقتل ذو جيشان، وانفضت جموعه.
وبسبب هذه الحادثة بادت قبيلتا جديس وطَسم كقوة وحيدة في المنطقة و يقال أنه بقي منهم بقايا اندمجوا في غيرهم، ومنهم أناس يعرفون بالصعافقة يمتهنون الفلاحة.
فمما تقدم نج أن تشكيك بعض الباحثين في وجود قبيلتي طسم وجديس، غير صحيح، لأمور:
1 - إطباق المؤرخين على ذكر تفصيل قصتهم والاختلاف اليسير بينهم لا يدل على اختلاقها.
2 - ورود إشارات إلى قصتهم في أشعار العرب كما تقدم.
3 - وجود نص يوناني وجد في صلخد مؤرخ في سنة 322م وفيه جملة: (أنعم طسم)، فقد يكون إشارة إلى القبيلة العربية البائدة.
4 - وجود بعض البنايات القديمة الضخمة إلى قرون متأخرة، والتي وصفها الهمداني وغيره، ومن آخرها القصر الموجود في سدوس إلى وقت قريب وبقي منه عمود ضخم وصفه بعض الرحالة، ثم هدمه الأهالي لكثرة زائريه من الأوروبيين. وحصن المشَقَّر مذكور في أشعارهم، وهو من بناء طسم فيما ذكروا، وقد أشار الشاعر الأموي يزيد بن مفرغ الحميري في هجائه لعباد بن زياد عامل سجستان لمعاوية رضي الله عنه، وذلك في قوله:
وشريت بردا، ليتني من بعد برد كنت هامة
هامةً تدعو صدىً بين المشقر واليمامة
العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الملامة
5 - أن عبيد بن ثعلبة الحنفي لما ظعن بأهله إلى نجد، فرأى راع لعبيد من أهل اليمن اسمه زبَيِّد، حجرا، وأتى بشيء من ثمرها إلى عبيد، فقدم عبيد بأهله فرأى قصورا خالية وبساتين خاوية فاحتجر منها ثلاثين قصرا وثلاثين حديقة فسميت حجرا، وقال في ذلك:
حللنا بدار كان فيها أنيسها فبادوا وخلَّوا ذات شِيد حُصونها
فصاروا قطينا للفلاة بغُربة رميما وصرنا في الديار قطينها
6 - قال ابن الأثير: وحدثني التوزي عن أبي عبيدة والأصمعي عن أبي عمرو قال: قال لي رجل من أهل القريتين: أصبت ههنا دراهم، وزن الدرهم ستة دراهم وأربعة دوانيق، من بقايا طسم وجديس، فخفت السلطان فأخفيتها.
¥