ومن باب أولى لا يجوز أن تنزع منه التابعية، أو يطرد من دار الإسلام، إلا أن يرتد عن الإسلام فيرتد كافراً حربياً فيلحق بنفسه بالكفار الحربيين، أو يغادر الدار بنفسه، من غير إعلان بكفر أو مجاهرة بردة، فيرتد «أعرابياً» لاحقاً بالفساق والمنافقين. يظهر ذلك بجلاء من حديث الأعرابي الذي هاجر، ثم استوخم المدينة، فأراد أن يقال بيعته على الهجرة، أي أن يؤذن له في الانخلاع من التابعية، فلم يأذن له رسول الله، عليه وعلى آله صلوات وتسليمات وتبريكات من الله، كما جاء بأصح أسانيد الدنيا:
? حيث أخرج البخاري في «الجامع الصحيح المختصر»: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن أعرابيا بايع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على الإسلام فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة فأتى الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أقلني بيعتي فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاءه فقال أقلني بيعتي فأبى، ثم جاءه فقال أقلني بيعتي فأبى، فخرج الأعرابي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وتنصع طيبها». كما أخرجه من طريق أخرى: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك به. ومن ثانية: حدثنا إسماعيل حدثني مالك به. والحديث في الموطأ كذلك. ومن غير طريق مالك: حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر سمعت جابرا قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال بايعني على الإسلام فبايعه على الإسلام ثم جاء الغد محموما فقال أقلني فأبى فلما ولى قال: «المدينة كالكير تنفي خبثها وتنصع طيبها»، كما قال: حدثنا عمرو بن عباس حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان به.
ــ وهو في «صحيح مسلم»: حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن محمد بن المنكدر به.
ــ وفي «سنن الترمذي»: حدثنا الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك بن أنس وحدثنا قتيبة عن مالك بن أنس به، ثم قال الترمذي: وفي الباب عن أبي هريرة، وهذا حديث حسن صحيح.
ــ وفي «المجتبى من السنن» للنسائي: أخبرنا قتيبة عن مالك به.
ــ وهو في «مسند الإمام أحمد بن حنبل» من طرق: حدثنا عبد الرحمن ثنا مالك به. وحدثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن محمد بن المنكدر به. وحدثنا عبد الرزاق أنا سفيان عن بن المنكدر به.
ــ وفي «صحيح ابن حبان»: أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان أخبرنا أحمد بن أبي بكر عن مالك به، ومن طريق أخرى: أخبرنا الحسين بن إدريس الأنصاري أخبرنا أحمد بن أبي بكر عن مالك به، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
ــ وفي «السنن الكبرى» للنسائي: أنبأ محمد بن بشار قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر به.
ــ وفي «مسند أبي يعلى»: حدثنا إسحاق حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر به. وقال الشيخ حسين أسد: إسناده صحيح.
ــ وفي «مسند أبي داود الطيالسي»: حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة قال ثنا محمد بن المنكدر به.
ــ وفي «مسند الحميدي»: حدثنا سفيان قال ثنا محمد بن المنكدر قال سمعت جابر بن عبد الله به.
لاحظ أن هذا المغبون الضال لم يطلب الإذن في الخروج للعلاج، وإلا لأذن له أرحم الخلق، وأشفق الأمة، رسول الله، عليه وعلى آله صلوات وتسليمات وتبريكات من الله، كما فعل بغيره، بل وقد حث غيره، مثل قبيلة أسلم، على التبدي لصحة هواء البادية، وطيب العيش في الشعاب؛ لكنه أراد الهروب من المسؤولية، والانخلاع من «التابعية»، وهذه ليست لأحد، ولا حتى لخليل الله، عليه وعلى آله صلوات وتسليمات وتبريكات من الله، فمنعه إياها، شفقة عليه من النار، دار البوار، فأبى الهالك إلا خسارا.
ولقد اشتد الذم والوعيد لمن ارتد «أعرابياً» بعد الهجرة، كما يظهر من النصوص السابقة، وكذلك مما جاء:
¥