تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والمقام هو: الحجر المعروف، وأصله كما في صحيح البخاري في ذكر إبراهيم من أحاديث الأنبياء عن ابن عباس أن إبراهيم عليه السلام كان يقوم عليه وهو يبني الكعبة عندما ارتفع البناء، وعلى هذا فموضعه في الأصل عند جدار البيت 0

وأكثر الروايات وأثبتها أن عمر هو الذي أخره إلى موضعه الآن، وقيل: أخره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: جاء الإسلام وهو في محله الآن، وأياًًَ ما كان فإنما أخر لئلا يضيّق هو والمصلون خلفه على الطائفين، كما نبه عليه ابن حجر في الفتح ج8 ص129 0

فهذا المعنى هو الموجب لتأخيره، وفي تأخيره لهذا المعنى الشهادة لهذا المعنى بأنه موجب لتأخير المقام 0

فإن كان أخر قبل الإسلام فقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أخره فالأمر أوضح، وان كان عمر هو الذي أخره فإنما عمل بدلالة القرآن كما مر، وكأن الضيق إنما تحقق في عهده حين كثر المسلمون، ومع دلالة القرآن عمل الخليفة الراشد، وإجماع الصحابة فمن بعدهم، ودلالة القرآن مستغنية بنفسها 0

وهذا المعنى الذي اقتضى تأخيره إذ ذاك قائم الآن، فاقتضاؤه للتأخير الآن بغاية الوضوح 0

فأما ما روي أن السيل احتمله في عهد عمر، فتحرى عمر إعادته في مكانه، فكأن عمر لما أخره قبل ذلك تحرى أن يبقى مع تأخيره مسامتا للموضع الذي كان يليه من جدار الكعبة، لا يميل عنه يمنة أو يسرة، لأن المعنى المذكور إنما أوجبه التأخير فاقتضى عليه، فلما احتمله السيل بعد ذلك تحرى عمر إعادته إلى مكانه لأجل المسامتة 0

وعلى القول بأنه أخر قبل عمر فتحريه إعادته إلى مكانه قد تكون لما ذكر، وقد تكون لأنه لم يكن [هناك] داع لتحويله، لأنه لم يكن قد حصل التضييق 0

وعلى ما ذكر فإذا أخر الآن فينبغي أن لا يخرج به عن مسامتة الموضع الذي يسامته الآن من الكعبة، لا يميل عنه يمنة ولا يسرة 0

وقد يمكن الجمع بين تهيئة المطاف والمحافظة على موضع المقام في الجملة، بأن يهدم البناء ويعلم موضع المقام بعلامة ثابتة، ثم يوضع في صندوق ثقيل وتجعل له ظلة خفيفة عل عجل، ففي أيام الموسم يؤخر الصندوق بالظلة إلى حيث تدعو الحاجة – مع المحافظة على السمت -، ثم عند زوال الموجب يعاد إلى موضعه الآن 0

وكالحكم في المطاف الحكم في المسعى، أمر الله عزوجل بالسعي بين الصفا والمروة يوجب تهيئة موضع يسعى الناس فيه يكون بحيث يكفيهم، فإذا اقتصر من مضى على موضع يكفي الناس في عصرهم، ثم ضاق بالناس فصار لا يكفيهم وجب توسعته بحيث يكفيهم، وإذا وسع الآن بحيث يكفي الناس فقد يجئ زمان يقتضي توسعته أيضا 0

هذا وقد جرى تغيير للمسعى في بعض جهاته في زمن المهدي العباسي، ففي تاريخ الأزرقي ج2 ص59 - 60، في زيارة المهدي سنة 160 فما بعدها ((ودخلت أيضا دار خيرة بنت سباع الخزاعية، بلغ ثمنها ثلاثة وأربعين ألف دينار دفعت إليها، وكانت شارعة على المسعى يومئذ قبل أن يؤخر المسعى)) 0

وفيه ص63 في ذكر زيارة المهدي الثانية ((وكان المسعى في موضع المسجد الحرام اليوم)) 0

وفيه ص64 ((واشتروا الدور وهدموها، وهدموا أكثر دار ابن عباد بن جعفر العائدي، وجعلوا المسعى والوادي فيها ... )) 0

ويشهد لهذا انحراف المسعى في ذاك الموضع، وكأنه كان قبل ذلك على خط مستقيم بين الصفا والمروة، أو أدنى إلى الاستقامة 0

وذكر القطبي في تاريخه ص47 من الطبعة الآولى هذا التحويل ثم قال ((وهنا إشكال لم أر من تعرض له وهو أن السعي بين الصفا والمروة من الأمور التعبدية التي أوجبها الله علينا في ذلك المحل المخصوص، ولا يجوز لنا العدول عنه، ولا تعتبر تلك العبادة إلا في ذلك المكان المخصوص الذي سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وعلى ما ذكره هؤلاء الثقات ادخل ذلك المسعى في الحرم الشريف، وحول المسعى إلى دار ابن عباد كما تقدم، وأما المكان الذي يسعى فيه الآن فلا يتحقق انه بعض من المسعى الذي سعى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره، فكيف يصح السعي فيه وقد حول عن محله كما ذكر هؤلاء الثقات؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير