[طلب ـ استفسار في حديث قاتل المائة نفس]
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[26 - 06 - 07, 01:58 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في الحديث المشهور, و هو حديث قاتل المائة نفس. قالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله تعالى وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو لها فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة.
السؤال: هذا الرجل الذي نُفيَ عنه الخير ألم يخرج مهاجراً في سبيل اللهِ؟ ألم ينئ بصدره تجاه بلد الخير عند الممات؟ أليست هذه أعمال جوارح وهي أعمال خير؟؟؟ ولماذا لم تأخذه ملائكة الرحمة إلا بعد أن قيست الأرض؟
وقد أفادني أحد الإخوة الكرام أم أنه يجب علينا أن تنظر في كلام إمام الأئمة ابن خزيمة ـ رحمه الله ـ وهو يفسر كلمة (لم يعملوا خيراً قط) في سياق حديث الشفاعة، قال في كتاب التوحيد: " قال أبو بكر هذه اللفظة لم يعملوا خيرا قط من الجنس الذي يقول العرب ينفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل لم يعملوا خيرا قط على التمام والكمال لا على ما أوجب عليه وأمر به وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي ". أهـ وأفادني ـ حفظه الله ـ أن هذا التفسير لم يُعارض بمن هو في زمنه أو قبله وقال أن نفي الخير عنه جاء كما قال ابن خزيمه و في الرجوع إلى السلف راحة.
أفيدونا جزاكم الله خيراً
ـ[أبو حازم الكاتب]ــــــــ[26 - 06 - 07, 03:10 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أخي الكريم أبا سلمى وفقني الله وإياك وبعد:
ما ذكرته أخي الكريم عن ابن خزيمة ذكره ابن حبان عند حديث الرجل الذي لم يعمل خيراً قط إلا أنه كان ينظر المعسرين في الدين وابن عبد البر عند حديث الرجل الذي لم يعمل خيراً قط فلما حضرته الوفاة أمر أولاده أن يحرقوه بعد موته.
قال ابن حبان: (أخبرنا إسماعيل بن داود بن وردان بالفسطاط قال: حدثنا عيسى بن حمأد قال: أخبرنا الليث عن ابن عجلان عن زيد بن اسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن رجلا لم يعمل خيرا قط وكان يداين الناس فيقول لرسوله: خذ ما تيسر واترك ما تعسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا قال: فلما هلك قال الله: هل عملت خيرا قط؟ قال: لا إلا أنه كان لي غلام وكنت أداين الناس فإذا بعثته ليتقاضى قلت له: خذ ماتيسر واترك ماتعسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنأ قال الله تعالى: قد تجاوزت عنك)
قال أبو حاتم رضي الله عنه: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:" لم يعمل خيرا قط " أراد به سوى الإسلام) الصحيح (11/ 422)
وقال ابن حبان ايضاً عند حديث آخر: (أخبرنا إسماعيل بن داود بن وردان قال: أخبرنا عيسى بن حماد قال: أخبرنا الليث عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (نزع رجل لم يعمل خيرا قط غصن شوك عن الطريق إما كان في شجرة فقطعه فألقاه وإما كان موضوعا فأماطه فشكر الله له بها فأدخله الجنة)
قال أبو حاتم: معنى قوله: (لم يعمل خيرا قط) يريد به: سوى الإسلام) الصحيح (2/ 297)
وقال ابن عبد البر في التمهيد (18/ 40 – 41): (روي من حديث أبي رافع عن أبي هريرة في هذا الحديث أنه قال قال رجل لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد وهذه اللفظة إن صحت رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل وإن لم تصح من جهة النقل فهي صحيحة من جهة المعنى والأصول كلها تعضدها والنظر يوجبها لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار لأن الله عز وجل قد أخبر أنه لا يغفر أن يشرك به لمن مات كافرا وهذا ما لا مدفع له ولا خلاف فيه بين أهل القبلة وفي هذا الأصل ما يدلك على أن قوله في هذا الحديث لم يعمل حسنة قط أو لم يعمل خيرا قط لم يعذبه إلا ما عدا التوحيد من الحسنات والخير وهذا سائغ في لسان العرب جائز في لغتها أن يؤتى بلفظ الكل والمراد البعض والدليل على أن الرجل كان مؤمنا قوله حين قيل له لم فعلت هذا فقال من خشيتك يا رب والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم كما قال الله عز وجل إنما يخشى من عباده العلماء قالوا كل من خاف الله فقد آمن به وعرفه ومستحيل أن يخافه من لا يؤمن به وهذا واضح لمن فهم وألهم رشده ومثل هذا الحديث في المعنى ما حدثناه عبدالوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا أبو صالح حدثني الليث عن ابن العجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن رجلا لم يعمل خيرا قط وكان يداين الناس فيقول لرسوله خذ ما يسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا فلما هلك قال الله هل عملت خيرا قط قال لا إلا أنه كان لي غلام فكنت أداين الناس فإذا بعثته يتقاضى قلت له خذ ما يسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا قال الله قد تجاوزت عنك قال ابو عمر فقول هذا الرجل الذي لم يعمل خيرا قط غير تجاوزه عن غرمائه لعل الله يتجاوز عنا إيمان وإقرار بالرب ومجازاته وكذلك قوله الآخر خشيتك يا رب إيمان ... )
وأما لماذا لم تأخذه ملائكة الرحمة مباشرة فالذي يظهر _ والله أعلم _ أنه لأمرين:
الأمر الأول: أن الملائكة إنما يحكمون بالظاهر وهو قد عمل حسنات وهي التوبة والهجرة وسيئات وهي القتل، والتوبة والصفح والعفو هو حق الله عز وجل ولذلك أرسل الله إليهم ملكاً بصورة رجل ليرجح لهم أحد القولين ولو كان حكمهم قطعاً لما عملوا بما أشار به عليهم.
يقول الحافظ في الفتح (6/ 517): (فيه أن الملائكة الموكلين ببني آدم يختلف اجتهادهم في حقهم بالنسبة إلى من يكتبونه مطيعا أو عاصيا وأنهم يختصمون في ذلك حتى يقضي الله بينهم)
الأمر الثاني: أن هذا الرجل قد عمل سيئات تشتمل على حقوق الله وحقوق الآدميين وهو القتل، وحق الآدمي لا يسقط إلا بعفو الآدمي وهذا لا يكفي فيه التوبة في الظاهر إلا أن الله عز وجل قد يعوض المقتول يوم القيامة ليعفو عن القاتل إذا تاب توبة صادقة.
¥