تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فصلٌ في أنه إذا عظم الوازع الطبيعي ضعف الوازع الشرعي

ـ[أبو عبدالله النجدي]ــــــــ[18 - 06 - 07, 01:32 ص]ـ

" إذا عظم الوازع الطبيعي ضعف الوازع الشرعي "

وهي قاعدةٌ نافعةٌ لطالب العلم في الترجيح وتفسير اختيارات الفقهاء.

ومقتضى القاعدة يظهر في:

ـ أن الشريعة تراعي في أحكامها مصالح الأنام.

ـ فإذا وُجدت مصلحةٌ مرعيةٌ، ووُجد الداعي الطبيعي الغريزي إليها؛ وُكِل المكلفون إلى ذلك الداعي.

ـ أما إذا ضعف الداعي الطبيعي؛ فإن الشريعة تجيء بالتأكيد على المكلفين فيه، وتكرار الأمر به، والتغليظ على تركه.

وربما كان للقاعدة استثناءات؛ كسائر القواعد.

مثاله: لم ترد الوصية للوالد بولده كما وردت للولد بوالده في كتاب الله تعالى، وهذا معنى مشهور متداول.

ومن الشواهد على القاعدة ـ أيضاً ـ ما يذكره أبو العباس ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وغيره من أن القرآن العزيز أكد على توحيد الألوهية أكثر من توحيد الربوبية، لأن الداعي الطبيعي في الربوبية أقوى.

وهل يقال: إن (الأصل) فيما قويَ فيه الداعي الطبيعي أن يُحمل على الاستحباب أو الكراهة، لا الإيجاب والتحريم، فيه بحث، وله حظٌّ من القوة، وهو محل نظر دقيق، يحتاج إلى استقراء ولو جزئياً، وعندي فيه نقلٌ لعلي أدرجه لاحقاً بعون الله ..

ـ[أبو عبدالله النجدي]ــــــــ[18 - 06 - 07, 12:35 م]ـ

وهل يقال: إن (الأصل) فيما قويَ فيه الداعي الطبيعي أن يُحمل على الاستحباب أو الكراهة، لا الإيجاب والتحريم، فيه بحث

مثاله:

ـ الأمر بالانتشار بعد صلاة الجمعة، وابتغاء فضل الله، لا يقال بالوجوب فيه، لأن الطبيعة داعية إليه، فيكتفى بأقل درجات الأمر.

فإن اعترض بأن هذا يندرج تحت قاعدة أخرى " الأمر بعد الحظر .. "، قيل: لا مانع من تناول القواعد المتعددة لحكم واحد، بل هو مفيد للناظر والمناظر.

ـ الأمر بالوضوء لِمَسِّ المصحف، النصوص في الباب معلومٌ ما فيها، وذلك لأن الطبيعة الإيمانية داعيةٌ إلى احترامه وتنزيهه، فاكتفي بالإشارة والإخالة والمناسبة، ونحوه الوضوء للطواف، فالقول بالوجوب أو الاستحباب له وجهه، فعدم وجود النص الصريح باشتراطه يجري على هذا السمت، اكتفاء بالداعي الطبيعي، والله تعالى أعلم.

ـ[أبو عبدالله النجدي]ــــــــ[18 - 06 - 07, 12:43 م]ـ

ـ حب الوطن: لا شك أن للوطن مكانة في نفوس أهله، خصوصاً حين يكون مأرزاً للإيمان.

لكن:

حاول بعض الناس أن يستنطق النصوص بما لم تنطق به، ولو على جهة الإكراه والعسف، رغبةً في إظهار الشريعة بمظهر الوطنية، حتى اخترع بعضهم أكذوبة " حب الوطن من الإيمان "!

ولا شك ـ ثانيةً ـ أن الميل إلى الوطن، والذود عنه، من مطلوبات النفوس الإيمانية، بل الإنسانية، لكن لا حاجة إلى استكراه الأدلة، بل يكفي الإحالة على الطبائع السليمة، والشرائع ليست بحاجة إلى إثبات حسن السيرة.

ـ[أبو عبدالله النجدي]ــــــــ[18 - 06 - 07, 01:59 م]ـ

فائدة من الشيخ عبد الرحمن السديس رعاه الله تتعلق بأصل القاعدة:

في إعلام الموقعين للعلامة ابن القيم:

فَصْلٌ:

وَأَمَّا قَوْلُهُ: (أَوْجَبَ الْحَدَّ فِي الْقَطْرَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الْخَمْرِ دُونَ الْأَرْطَالِ الْكَثِيرَةِ مِنْ الْبَوْلِ)

فَهَذَا أَيْضًا مِنْ كَمَالِ الشَّرِيعَةِ، وَمُطَابِقَتِهَا لِلْعُقُولِ وَالْفِطَرِ، وَقِيَامِهَا بِالْمَصَالِحِ؛ فَإِنَّ مَا جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي طِبَاعِ الْخَلْقِ النَّفْرَةَ عَنْهُ وَمُجَانَبَتَهُ اكْتَفَى بِذَلِكَ عَنْ الْوَازِعِ عَنْهُ بِالْحَدِّ؛ لِأَنَّ الْوَازِعَ الطَّبِيعِيَّ كَافٍ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ.

وَأَمَّا مَا يَشْتَدُّ تَقَاضِي الطِّبَاعِ لَهُ فَإِنَّهُ غَلَّظَ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهِ بِحَسَبِ شِدَّةِ تَقَاضِي الطَّبْعِ لَهُ، وَسَدِّ الذَّرِيعَةِ إلَيْهِ مِنْ قُرْبٍ وَبُعْدٍ، وَجَعَلَ مَا حَوْلَهُ حِمًى، وَمَنَعَ مِنْ قُرْبَانِهِ، وَلِهَذَا عَاقَبَ فِي الزِّنَا بِأَشْنَعِ الْقِتْلَاتِ، وَفِي السَّرِقَةِ بِإِبَانَةِ الْيَدِ، وَفِي الْخَمْرِ بِتَوْسِيعِ الْجَلْدِ ضَرَبًا بِالسَّوْطِ، وَمَنَعَ قَلِيلَ الْخَمْرِ وَإِنْ كَانَ لَا يُسْكِرُ إذْ قَلِيلُهُ دَاعٍ إلَى كَثِيرِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ مَنْ أَبَاحَ مِنْ نَبِيذِ التَّمْرِ الْمُسْكِرِ الْقَدْرَ الَّذِي لَا يُسْكِرُ خَارِجًا عَنْ مَحْضِ الْقِيَاسِ وَالْحِكْمَةِ وَمُوجِبِ النُّصُوصِ، وَأَيْضًا فَالْمَفْسَدَةُ الَّتِي فِي شُرْبِ الْخَمْرِ وَالضَّرَرِ الْمُخْتَصِّ وَالْمُتَعَدِّي أَضْعَافُ الضَّرَرِ وَالْمَفْسَدَةِ الَّتِي فِي شُرْبِ الْبَوْلِ وَأَكْلِ الْقَاذُورَاتِ، فَإِنَّ ضَرَرَهَا مُخْتَصٌّ بِمُتَنَاوِلِهَا.

ـ[أبو عبدالله النجدي]ــــــــ[18 - 06 - 07, 02:08 م]ـ

وأخرى من الشيخ كذلك:

ويمكن أن يمثل أيضا لها:

باللعان، فالرجل تمنعه طبيعته أن يتهم أهله ويفسد فراشه = فأكتفي بشهادته مكررا ... ولا يقبل غيره في هذا الحكم إلا بأربعة شهداء.

فهنا الوازع الطبيعي خفف الشرط الديني لهذا الحكم.

ومثال آخر:

قبول الشهادة الدينية برواية الحديث والأذان ودخول رمضان ... لضعف الداعي للكذب فيها = فتقبل شهادته، بخلاف أمور الحقوق بين العباد، فلا بد من شاهدين أو أربعة أو ... حسب ما هو مقرر في بابه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير