تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولسماحة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم رسالة في جواز تنحية المقام عن مكانه من أجل التوسعة على الطائفين، وقد سبق لما أن ذكرنا أن الصفوف ما دامت أنها موصولة وأنّ الطواف يقع في بيت الله الحرام فمهما زِيْد فالزيادة لها حكم الأصل، وما قارب الشيء أعطي حكمه، كما هو معلوم من كتب أهل العلم، وقد نقل في رسالته كلاماً جيداً للرملي المسمى بالشافعي الصغير في "نهاية المحتاج" وهو قوله:

"لم أر في كلامهم ضبط عرض المسعى وسكوتهم عنه لعدم الاحتياج إليه، فإنّ الواجب استيعاب المسافة التي بين الصفا والمروة كل مرة"

ثم ظفرت بحواشي عبدالحميد الشرواني ويقول فيها ما معناه "إن ضبط العلماء للمسعى إنما هو ضبط تقريبي ولا حاجة لضبط عرض المسعى".

والسعي طولاً من حيث نقطة البدء والانتهاء في كل شوط مع المرور من بطن الوادي هو الذي فعله النبي، والفقهاء ينصون في كتبهم على وجوب استيعاب المسافة بين الصفا والمروة (1)، وأن البدء بالصفا والانتهاء بالمروة في كل مرة هو شوط، ثم العودة من المروة إلى الصفا هو شوط ثان، والواجب السعي سبعة أشواط دون النظر إلى عرض المسعى ذلك أنّ الصفا جبل والمروة جبل والعبرة أن يقع السعي بينهما، فإذا كانت التوسعة الجديدة ضمن عرض المسعى فلا ينبغي التردد في الجواز ألبتة، وعرض المسعى اليوم عشرون متراً والجبال -كما هو معلوم- من حيث العرض أوسع من عشرين متراً، ذلك أنّ أصل السعي كما في "صحيح البخاري" برقم (3364) من حديث ابن عباس في قصة إبراهيم مع أم إسماعيل والقصة طويلة وأنه تركها وابنها بقرب بيت الله الحرام وفي آخر القصة "وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء الذي وضعه بجانبها حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال يتلبط، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه وهو يموت، فانطلقت فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر فلم تر أحداً، ثم هبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف ذراعها ثم سعت أي ركضت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة -الجبل الذي يقابل الصفا- فقامت عليه فنظرت هل ترى أحداً، فلم تر أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس قال النبي: "فذلك سعي الناس بينهما" أي فعل أم إسماعيل الذي فعلته.

ولا يمكن تحديد المسار الذي سارت فيه أم إسماعيل على الجبل بل لا يمكن أن نحدد المسار الذي سار فيه النبي على الجبل، ويمكن أن نقول أنّ ما سكت عنه الشرع فهو في دائرة العفو، والنبي حدد الأمر بطرفيه طولاً وسكت عن العرض الذي بين الأمرين، وبتغيير معالم الجبلين ووجود الحواجز وبناء الجدار الذي يحد المكان في العصور المتأخرة وتحديد المقاييس في المكان الذي أصبح يؤدى فيه السعي آنذاك، وتحديده بالأذرع أو بالأمتار أو بالأصابع تولدت المشكلة ووقع الخلاف، هل هذا المكان الذي يسعى فيه هو المكان الذي يحدد ولا يقبل الزيادة عليه أم أنّ الأمر على أصله في سعة، يقول الشرواني في "حواشيه على تحفة المحتاج" (الجزء الرابع ص98)، ونص كلامه: " ولك أن تقول الظاهر أن التقدير بعرضه بخمسة وثلاثين على التقريب إذ لا نص فيه يحفظ من السنة".

نعم، الواجب السعي في المكان الذي بين جبلي الصفا والمروة، العبرة بأصل المسعى آنذاك كما هو معلوم، فإن تعارف الناس على مكان محدد خاص في المسعى فهذا لا يلغي أن يكون ما تبقى من الصفا أو ما تبقى من المروة من شعيرة المسعى، فقد هجر الآن تحول الساعي في المسافة المعدة في الشق المخصص للتحول من الصفا إلى المروة، وكذلك في الشق المخصص للتحول من المروة إلى الصفا، فلو أنّ حاجاً أو معتمراً اقتصر في سعيه على شق واحد من المسعى لأجزأ ذلك، من غير خلاف إذ علّق الشرع الحكم بالسعي على ما بين الجبلين، فلا يدل عدم فعل السعي في المكان الذي هو من شعيرة المسعى على عدم الإجزاء إن هجر الفعل فيه، المهم أن لا يكونا قد خرجا عن كونهما من المسعى، فإذا كان المسجد -أعني المطاف- قد وسع فيه وسوغ العلماء الزيادة فيه وكذلك مسجد النبي حتى عمر رضي الله عنه لما وسع المسجد كان يقول: "لو مد مسجد النبي إلى ذي الحليفة لكان منه".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير