المطابقة – أي: مع ترجمة البخاري - تُفهم من كلام عمر رضي الله عنه؛ لأن عادة النبي صلى الله عليه وسلم كانت جارية بالتجمل للوفد؛ لأن فيه تفخيم الإسلام، ومباهاة للعدو، وغيظا لهم غير أن النبي هنا أنكر على عمر لبس الحرير بقوله إنما يلبس الحرير مَن لا خلاق له، ولم ينكر عليه مطلق التجمل للوفد، حتى قالوا: وفي هذا الحديث لبس أنفس الثياب عند لقاء الوفود.
" عمدة القاري " (22/ 147).
2. لك أن تلبس ملابس رخيصة الثمن، لكن ليس لك أن تلبس ملابس بالية ومرقعة، فالثياب البالية المرقعة ممنوعة في حقك من جهات متعددة:
أ. أنها قد تكون ثياب شهرة.
عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ الله يَوْمَ القِيَامَةِ ثَوْباً مِثْلَه). وفي رواية بزيادة (ثُمَّ تَلهبُ فِيهِ النَّار)، وفي رواية أخرى (ثَوْبَ مَذَلَّة). رواه أبو داود (4029) وابن ماجه (3606) و (3607)، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب " (2089).
وليس ثوب الشهرة هو الثوب الغالي الثمن فقط، كما يظن بعض الناس، بل قد يكون الثوب البالي إذا كان اللابس يجد غيره مما هو أفضل منه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وتكره الشهرة من الثياب، وهو المترفع الخارج عن العادة، والمتخفض الخارج عن العادة؛ فإن السلف كانوا يكرهون الشهرتين: المترفع والمتخفض، وفى الحديث " من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة "، وخيار الأمور أوساطها.
" مجموع الفتاوى " (22/ 138).
وقال – رحمه الله -:
والثوب الذي هو للشهرة: هو الثوب الذي يُقصد به الارتفاع عند الناس، وإظهار الترفع، أو التواضع والزهد.
" مختصر الفتاوى المصرية " (2/ 50).
ب. أنها مخالفة لشكر نعمة الله تعالى عليك، وإظهار تلك الثياب فيه ادعاء الفقر والشكوى من الله!
عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِيهِ مَالِكٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، الرَّجُلُ أَمُرُّ بِهِ، فَلاَ يُضَيِّفُنِي وَلاَ يَقْرِينِي، فَيَمُرُّ بِي فَأَجْزِيهِ؟ قَالَ: لاَ بَلْ اقْرِهِ. قَالَ: فَرَآنِي رَثَّ الثِّيَابِ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ مَالٍ؟ فَقُلْتُ: قَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كُلِّ الْمَالِ مِنَ الإِِبِلِ وَالْغَنَمِ، قَالَ: فَلْيُرَ أَثَرُ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكَ. رواه أبو داود (4063) وأحمد (17231) – واللفظ له -، وصححه الأرناؤط والألباني.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في معنى الحديث -:
يلبس ثيابا تليق بحاله من النفاسة والنظافة؛ ليعرفه المحتاجون؛ للطلب منه، مع مراعاة القصد، وترك الإسراف.
" فتح الباري " (10/ 260).
ج. أنك تقدِّم للمتربصين فرصة للطعن بالملتزمين، وبسلوكهم، وبأفعالهم.
د. أن هذا الفعل ليس من هدي سلف الأمة، وإنما كانوا يرقِّعون ثيابهم للضرورة.
هـ. أن فيه تشبهاً بالضالين من أهل التصوف والمخرقة، الذين يحرمون ما أحل الله ادعاءً للزهد.
قال القرطبي – رحمه الله -:
قال أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله:
وأنا أكره لبس الفُوط والمرقعات لأربعة أوجه:
أحدها: أنه ليس من لبس السلف، وإنما كانوا يرقعون ضرورة.
والثاني: أنه يتضمن ادعاء الفقر، وقد أُمر الإنسان أن يُظهر أثرَ نِعَم الله عليه.
والثالث: إظهار التزهد، وقد أُمرنا بستره.
والرابع: أنه تشبه بهؤلاء المتزحزحين عن الشريعة، ومَن تشبه بقوم فهو منهم.
وقال الطبري: ولقد أخطأ من آثر لباس الشَّعر، والصوف على لباس القطن، والكتان، مع وجود السبيل إليه من حلِّه.
" تفسير القرطبي " (7/ 197).
3. لا يحل لك أن تحرم على نفسك شيئا من زينة اللباس ونحوه، مما أحله الله لك، ولو كان نفيسا غالي الثمن، أو تتركه تركا مطلقا، تقرباً إلى الله تعالى بهذا الترك.
قال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) الأعراف/ 32.
قال القرطبي – رحمه الله -:
¥