تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحديث الذي معنا أخبر فيه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بنورٍ خاص وهو النور يوم القيامة: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمْ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} فهذا النور يكون في عرصات يوم القيامة، فإما أن يكون نوراً على الصراط إذا اجتازه المؤمن فإنه يكون له النور على قدر العمل فمن كان نوره عظيماً مرَّ كالبرق، ومن كان نوره دون ذلك كان كالريح المرسلة، أو كأجاود الخيل، و من كان قليل الخير والطاعات أطفئ نوره وأضئ له إذا أُطفئ له كادت كلاليب النار أن تتخطفه فناجي من النار أو مخدوش، فعلى قدر الخير والاستقامة يكون النور، وقال بعض العلماء: إن النور يكون في الحشر قبل الصراط فالناس يوم القيامة إذا حشروا ونشروا بين يدي الله جبار السماوات والأرض وعرضوا فإنه تكون للقيامة أحوال وعرصات ومواقف مختلفات متباينات فتارةً يكون النور وتكون الظلمة فيحشر الله المطيعين والعاصين، فأما المطيع فإنه يتلألأ وجهه بنور الطاعة والخير والاستقامة، وأما من عصى الله فإن وجوههم تكون عليها قترة-نسأل الله السلامة والعافية-: {وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.

وقوله-عليه الصلاة والسلام-: ((بالنور التام يوم القيامة)): فيه دليل على فضل الصلوات عموماً وصلاة الفجر والعشاء، وأن الموفق السعيد يحرص على حصول هذا الخير والفضل، قال بعض العلماء-رحمهم الله-: إن هذه الفضيلة المذكورة في هذا الحديث الشريف لا تكون إلا بالنية الخالصة الصادقة التي يراد فيها وجه الله سبحانه وتعالى فإذا وفق الله العبد وأراد أن يتم له النور رزقه الحرص على هاتين الصلاتين خاصة صلاة الفجر، وبشائر القبول والتوفيق للموفقين أن تجده بمجرد صلاته للعشاء يحمل هم القيام لصلاة الفجر قد جعل الله الآخرة أكبر همه ومبلغ علمه وغاية رغبته وسؤله لا يحمل هم القيام لمصالحه الدنيوية؛ ولكن الآخرة خير وأبقى ومن هنا يحمل هم القيام لشهود هذه الصلاة حتى إن بعض الصالحين إذا وفق لصلاة العشاء أكثر من الدعاء أن يوفقه الله لشهود صلاة الفجر، ثم يأخذ بالأسباب المعينة على شهودها لينال هذا الفضل العظيم، فينام مبكراً حتى إذا سمع داعي الله إلى الصلاة قام من فراشه مجيباً ذلك الداعي بكل همة ونشاط فلا يقوم وهو كسول وفيه الخمول ولكن يقوم بنفس أبية صادقة في طلب رحمة الله ومرضاة الله عز وجل، يستشعر أن الصلاة تشفع له في لقاء الله ونور له بين يدي الله فعندها يهب قوي النفس مرتاح البال منشرح الصدر حتى إذا مضى إلى بيوت الله آثر أن يمشي بقدميه مع قدرته على الركوب، يستشعر أن الله يسمعه ويراه فهو في ظلام الليل وكونه في شدة الظلمة قلبه مليءٌ بالإيمان بالله عز وجل أن الله مطلع على خروجه، وأن الله عالم بحركاته وسكناته فيتملق ربه بصالح العمل يذكره ويشكره ويسأله المزيد من فضله ولفضل الخروج في هذا الوقت إلى بيوت الله وشهود الفضائل في مساجد الله فهذا الوقت وقت النور والخير ففي الحديث الصحيح عن ابن عباس-رضي الله عنهما- أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان إذا خرج إلى صلاة الفجر قال: ((اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نوراً، ومن أمامي نوراً، ومن خلفي نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، وأعظم لي نوراً)) فلا إله إلا الله ما أفضلها من طاعة وأجلها فتلك هي الساعات التي تُشحذ فيها همم المؤمنين والمؤمنات فيخرجون من بيوتهم بقلوب مطمئنة وصدور منشرحة ونفوس زاكية مرضية راضية، ولذلك إذا أراد الله بالعبد التوفيق وفقه لشهود هذا الخير العظيم، فإذا صلى الصلاة ووقف بين يدي الله عز وجل أتم للصلاة ركوعها وخشوعها، فلو كان في أشد التعب والنصب فإنه يقبل على الله قلباً وقالباً يستشعر الآيات والعظات كأنه في أتمِّ ما يكون من الراحة والهناء، فإذا أراد الله أن يتمم نعمته وأن يبارك له في خيره وبره ورحمته وفقه للجلوس إلى طلوع الشمس فجلست تلك النفس الطيبة والروح الزاكية تذكر ربها وتثني على خالقها لا يستشعر أن له فضلاً على الله وإنما الفضل كل الفضل لله، وكأن لسان حاله يقول: الحمد لله الذي هدانا لهذا يتصور كم من مريض يتمنّى خروجه وشهوده، ويتصور كم من محروم يتمنّى أن يكون معه في مسجده وصفه، ويتذكر من حُرم هذا الخير العظيم، فيقول: اللهم لك الحمد أن اخترتني ووفقتني فإذا وفق لهذا الفضل العظيم خرج من بيت الله-جل وعلا- وقد أرضا ربه واطمأن قلبه وأصاب الخير العظيم ففتح الله في وجهه أبواب الخير ويسر له الرزق وبارك له في يومه وأهله وولده وأصبح يرى بركة ذلك الخير والطاعة في جميع أحواله وشؤونه، فالقلوب تحبه وتجله؛ لأن العمل الصالح يوجب محبة الناس والأنس بالعبد وهيبته وإكرامه وإجلاله، والعكس بالعكس-نسأل الله السلامة والعافية-، فإذا نادى منادي الله على المحروم تسلطت عليه النفس التي تأمر بالسوء تسلطت عليه نفس أمّارةٌ بالسوء وشيطان مريد فقال: انتظر فما زلت في التعب والنصب لم تقم الصلاة فلا تعجل فلعلك أن تدرك الإمام حتى إذا قارب وقت الإقامة خذله عدو الله فغفت عيناه عن فريضة الله، ولم يستشعر إلا والإمام قد سلم من الصلاة فودعته صلاة الفجر وداعاً لا لقاء بعده أبداً إلا بين يدي الله سبحانه وتعالى يحاسب عن تقاعسه وتصامم أذنه عن داعي ربه وعندها تكون الحسرة والندم ويعض على أصابعه من شدة الألم؛ ولكن ولات حين ساعة مندم يقول: {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}.

- فنسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، أن يلهمنا فعل الخيرات، وأن يعيننا على إقامة الصلوات، اللهم ارزقنا خشوعها، والقيام بحقوقها، واجعلها شفيعة لنا بين يديك، يا أرحم الراحمين -

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير