[أسباب التوفيق]
ـ[هشام الهاشمي]ــــــــ[09 - 01 - 08, 09:19 م]ـ
التقوى
التقوى وأنها البداية الصحيحة في الطلب
أولاً: التقوى وأنها البداية الصحيحة في الطلب: لقوله تعالى: {. . . وَََاتَّقُواْ اللَّهَ ويُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (1).
فقد اشتملت الآية على أمر ووعد؛ أمر بالتقوى، ووعد بالعلم الذي هو معقد كل عز، ومجمع كل فضيلة.
ويعلمكم اللَّه: أي: كل خير يحبه، ويرضاه.
فلكي تبدأ البداية الصحيحة، ويقال لك في الملإ الأعلى: يا باغي الخير أقبل (!) وتضع لك الملائكة أجنحتها، رضاً بما تصنع، ويستقيم لك الطريق؛ فلا ترى فيه عوجاً، ولا أمتاً، وتُكفى العثار وتكفى أن ترهق صعوداً؛ فلا عقبات، ولا عثرات؛ عليك أن تلبس نعال التقوى؛ فهي على صعاب الطريق أقوى (!) ومادتها اجتناب المحارم (!) وإياك ونعال المعاصي. . فلا يقال لك: اخلع نعليك (!) أو ارجع على عقبيك (!) أو ليس هذا بعشك فادرجي. . (!) فليس في هذا الطريق مع غياب التقوى، ووجود المعاصي محابة، فانظر نعليك، قبل أن تُرَدَّ على عقبيك، وتُذَادَ عن حياض العلم ذوداً كغرائب الإبل.
فلن يستقيم لك السير في طريق العلم كما تريد ما لم تستقم على مراد الله، فلا للذنوب والمعاصي والآثام؛ فإذا زلت بك القدم، وألممت بذنب؛ فقم واستغفر؛ وإياك أن تقيم عليه صريعاً، ولا تجعلها الزلة التي تودي بك.
* التقوى تحفظ القلوب من مفسداتها:
والتقوى حافظة للقلوب من مفسداتها، ومما يكدر صفوها، ويذهب طراوتها، وكفى بها أنها تعصم صاحبها الذنوب؛ فإن الذنوب تميت القلوب، وحياة القلوب ترك الذنوب؛ كما قال ابن المبارك عليه رحمة اللَّه:
رأيت الذنوب؛ تميت القلوب
وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب؛ حياة القلوب
وخير لنفسك؛ عصيانها
فقلب رانت عليه الذنوب بما كسب صاحبه، وأحاطته الشهوات، وجاءه موجها من كل مكان؛ فغمرته، وعن ربه حجبته؛ أنى له العلم (؟!).
* إشارة لطيفة لأبي حامد الغزالي لمن أراد المعرفة من كتابه: ((الإحياء)):
قال أبو حامد رحمه اللَّه تعالى: ((أنوار العلوم لم تحجب من القلوب لبخل، ومنع من جهة المنعم تعالى عن ذلك، بل لخبث وكدورة، وشغل من جهة القلوب؛ فإنها كالأواني مادامت مملؤة بالماء لا يدخلها الهواء، والقلب المشغول بغير اللَّه لا تدخله المعرفة بجلاله)).
قلت: وهذا كلام نفيس ينبغي لطالب العلم أن يهتم له؛ فإنه يربو على الغاية في الإرشاد والتذكير، لمن أراد مواصلة المسير.
* إشارة لطيفة لابن القيم لمن أراد صفاء قلبه من كتابه: ((الفوائد)):
قال الإمام الرِّبِّيُّ ابن قيّم الجوزية قدس اللَّه روحه: ((فمن أراد صفاء قلبه فليؤثر اللَّه على شهوته، فإن القلوب المتعلقة بالشهوات محجوبة عن اللَّه بقدر تعلقها بتلك الشهوات)).
* إشارة أخرى للمؤلف في أن العمى عمى البصيرة:
قلت: فالعلم لشرفه، ورفعته لا يدخل إلا القلوب الصافية الرقيقة، فاحرص على صفاء قلبك ورقته؛ يمتلىء بالحكمة والفقه في الدين إن كنت في ذلك من الراغبين.
وليكن لك قلب تعقل به، وأذن تسمع بها، ولا عليك إن لم يكن لك عين تبصر بها؛ {. . . فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (2).
قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (3).
فأين العين ههنا (؟) لا محل لها (!) إذاً اقطع علائق قلبك بالشهوات يبصر، ويرى.
وقد أحسن القائل:
القلب يدرك ما لا عين تدركه
والحسن ما استحسنته النفس لا البصر
وما العين التي تعمى إذا نظرت
بل القلوب التي يعمى بها البصر
* من آثار المعاصي حرمان العلم:
قال ابن قيم الجوزية رحمه اللَّه تعالى: ((وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب، والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا اللَّه.
فمنها: حرمان العلم فإن العلم نور يقذفه اللَّه في القلب، والمعصية تطفىء ذلك النور.
ولما جلس الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: إني أرى اللَّه قد ألقى على قلبك نوراً؛ فلا تطفئه بظلمة المعصية)) (4).
¥