[قواعد الفتوى الشرعية وضوابط التيسير فيها]
ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[16 - 01 - 08, 03:47 ص]ـ
[قواعد الفتوى الشرعية وضوابط التيسير فيها]
الدكتور- عبد الكريم عبد الحميد الخلف
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وإمام المتقين، ومرشد الأمة إلى الهداية والطريق المستقيم، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
فقد أنزل الله كتابه الكريم مشتملاً على ما يصلح حال البشر، من أصول الدين، وقواعد العمل الصالح. وأمر رسوله ببيانه للناس من حيث الحلال والحرام، والجواز وعدمه، وغير ذلك من الأحكام الشرعية، لقوله تعالى: http://www.fiqhia.com.sa/Images/BRAKET_R.GIF بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون http://www.fiqhia.com.sa/Images/BRAKET_L.GIF { سورة النحل 44} وبهذا التكليف الرباني قام المصطفى صلى الله عليه وسلم ببيان معاني القرآن وأحكامه، وأعلى مناره، وقوى دعائمه، وانتظم من الكتاب والسنة أعظم مرجع لمن يبحث عن أسباب الهداية، ويلتمس طريق الاستقامة؛ فتسابقت همم العلماء إلى الارتشاف من معينه، والاغتراف من فيضه، وتعددت اتجاهاتهم في الأخذ منه.
ومن هنا نجد أن أول مفتٍ هو المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن بعده علماء الصحابة والتابعين، ومن بعدهم العلماء المجتهدون، فالإفتاء إذن من عمل الأنبياء، ومن ثم ورثتهم العلماء الضالعون في علوم الشريعة، وفروعها وملحقاتها، وعلى ضوء ذلك لا يصح الإفتاء من العوام، أو الذين لم يصلوا إلى أغوار العلوم الشرعية، وهذا ما دعاني إلى أن أبحث في هذا المجال عندما وجدت على أرض الواقع أن كثيراً من الذين لا يفقهون من الدين إلا ظواهره يقومون بالإفتاء بغير علم، ويتجرؤون على الله ورسوله، بحجة التيسير، ويطلقون الأحكام الخاطئة، فهؤلاء يشكلون على الدين خطراً كبيراً، ويغررون بالمسلمين أشد تغرير. وعلى هذا قمت بالبحث في هذا المجال لأبين قواعد الفتوى، وضوابط التيسير فيها ومدى دقتها، سائلاً المولى عز وجل أن يوفقني لهذا، إنه سميع مجيب.
أولاً- مفهوم الإفتاء:
والإفتاء لغة: مأخوذ من الإبانة. يقال: أفتاه في الأمر أبانه له، وهو: إبانة الحكم في المسائل المطروحة على رجل الإفتاء، ويقال: أفتى الرجل في المسألة. أي: أبان الحكم فيها، وذهب القوم إلى المفتي. أي: تحاكموا إليه.
والفتوى هي: الجواب عما يُشكل من المسائل الشرعية، والمفتي هو: من يتصدى للفتوى بين الناس، ويتم تعينه من قبل الدولة ليجيب عمّا يُشكل من المسائل الشرعية.
واصطلاحاً: هو إظهار الأحكام الشرعية بالانتزاع والاستنباط من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، والمصادر الشرعية الأخرى، وعلى هذا يكون المفتي هو: المظهر للأحكام الشرعية بانتزاعها من مصادرها الشرعية، وهو: من اتصف بالعلم الشامل، والعدالة: وملكة الاقتدار على استنباط أحكام الفروع المتجددة.
وعرف الشوكاني المفتي بأنه هو: المجتهد، وهذا ما عليه علماء الأصول، وأما المفتي المقلد هو: من لم يبلغ رتبة الاجتهاد، ولكنه درس وفهم مذهباً من مذاهب الفقهاء المعروفين كمذهب الإمام أبي حنيفة، أو الشافعي، أو المالكي، أو الحنبلي، وأخذ على عاتقه تقليده معتقداً بصحته، فيجوز له الإفتاء على المذهب فقط، شريطة ألا يكون هناك مجتهد يرجع الناس إليه؛ لأن العامي إذا وجد مجتهداً عدلاً فليس له أن يلجأ إلى غيره، بل أقول: إن المفتي المقلد في حقيقة الأمر ليس مفتياً، ولكنه ناقل لفتوى من يقلد، ولهذا لا يُعدُّ من أهل الإفتاء، لذلك قال أهل العلم: إذا أفتى برأي إمام من الأئمة المعروفين يجب عليه أن ينسب الفتوى إلى صاحب الرأي.
ثانياً- أنواع الفتوى:
من خلال البحث في موضوع الفتوى تبين أنها تحصل بالقول، أو بالفعل، أو بالإقرار، وإلى هذه الأنواع الثلاثة بالتفصيل:
الفتوى بالقول- وهذا النوع من الفتوى مشهور ومعروف؛ فلا حاجة للكلام فيه.
الفتوى بالفعل- ولها وجهان:
¥