تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوجه الأول: الفعل الذي يقصد به الإفهام عن طريق استعمال الإشارة المفهومة في عرف المفتي والناس، وهذا الوجه قائم مقام القول المصرح به، كقول الرسول صلى الله عليه وسلم (الشهر هكذا وهكذا، وعقّد بين الإبهام في ثلاثة ثم قال: الشهر هكذا وهكذا)، يعني تمام الثلاثين، وسُئل عليه الصلاة والسلام في حجته فقال: ذبحت قبل أن أرمي، فأومأ بيده وقال له: (لا حرج).

الوجه الثاني: الفعل الذي يقتضي التأسي والاقتداء، وأصل ذلك قوله تعالى: http://www.fiqhia.com.sa/Images/BRAKET_R.GIF لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا http://www.fiqhia.com.sa/Images/BRAKET_L.GIF { الأحزاب 21} وقوله سبحانه وتعالى: http://www.fiqhia.com.sa/Images/BRAKET_R.GIF قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم http://www.fiqhia.com.sa/Images/BRAKET_L.GIF { الممتحنة 4} وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وحج النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (خذوا عني مناسككم)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: (ألا أخبرته أني أُقبّل وأنا صائم)، وإذا كان كذلك، وثبت للمفتي أنه قائم مقام النبي، ونائب منابه في التبليغ لزم من ذلك أن أفعاله محل للاقتداء والتأسي أيضاً.

الفتوى بالإقرار: وهذا النوع من الفتوى يرجع إلى الفعل؛ لأن الكفّ فعل، وكفّ المفتي عن الإنكار إذا رأى فعلاً من الأفعال كتصريحه بجوازه، وقد أثبت الأصوليون ذلك دليلاً شرعياً بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك يكون بالنسبة إلى المنتصب للفتوى، لذلك مُدحت هذه الأمة لقيامها بواجبها من أمر بالمعروف، ونهي عن المنكر فقال تعالى: http://www.fiqhia.com.sa/Images/BRAKET_R.GIF كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر http://www.fiqhia.com.sa/Images/BRAKET_L.GIF { آل عمران 110} وما تقدم من الأدلة في الفتوى الفعلية متفق عليه بين الفقهاء، ومن هنا ثابر السلف الصالح على القيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يبالوا في ذلك بما ينشأ عنه من عود المضرات عليهم بالقتل وما دونه، ومن أخذ بالرخصة أي اعتزل الناس حتى لا يترتب على إنكاره أذيً شديد قد يصيبه، يكون قد ضرَّ بدينه، واستخفى بنفسه، هذا ما لم يكن ذلك سبباً بالإخلال بما هو أعظم من ترك الإنكار، فإنّ ارتكاب أخف الضررين أو الشرين أولى، وهذا في الحقيقة راجع إلى إعمال القاعدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وخلاصة القول

من خلال هذا البحث تبين أن الفتوى لها مراتب، ولكل مرتبة لها خواصها وضوابطها، والفتوى على نوعين: قولية، وفعلية، ورجل الإفتاء لا يحق له ذلك إلا إذا توافرت فيه صفات وشروط، وأن يكون عادلاً مستقيماً وعفيفاً تقياً، آخذاً بقاعدة الوسطية، بعيداً عن التشديد، وأن يتأنى بفتواه، وألا يتجرأ فيها، وأن يأخذ بالتيسير المنضبط، وأن يسير على وفق قواعده وأسسه، وأن يبتعد عن الأخذ بالتيسير العشوائي حتى لا يفتي بالهوى، وبالتالي يقع في الخطأ.

والتيسير في الفتوى من روح الشريعة الإسلامية، وهو مخرج من مخارج الحرج والضيق، إذا ما روعيت شروطه وقواعده وضوابطه هذا، والله ولي الهداية والتوفيق.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير