كما أنبه أخي الأزهري ومن تأثر به إلى أن ما يظهره أخونا الأزهري دائما في بحوثه ليستميل به غيره من إشعاره القرّاء بأنه ينصف خصومه كما يفعل أحيانا عندما يظهر إنصافه عن طريق فقرة معينة ضمن بحث طويل، يبرزها على أنه أنصف فيها مخالفه وهو يعلم أنها فقرة لا تحمل تأثيرا في المسالة فيظنها صاحب النية الحسنة على غفلة منه أنها خرجت من معدنها فيطمئن للكاتب وهو يظنها مؤشر أمان!
بينما أخونا الأزهري يكتم أضعاف تلك المعلومة مما يبطل قوله ومما يكشف حقيقة إنصافه المزعوم.
وهذه شطارة لا يحمد عليها الأزهري، فإن أكيس الكيس التقى وإن أحمق الحمق الفجور، وإن ما عند الله لا ينال بالحرام.
كما أنبه إخواني بما فيهم الأزهري إلى أن الإنصاف قبل أن يكون شعارا فهو حقيقة وهو من أخطر الأبواب التي إن لم تُحكَم دخل منها شر كبير.
فإن نسمات الإنصاف عندما تأتي في غير موعدها وفي غير محلها وتشتد على المرء في بُعد منه عن العلم وعن أدلته فإنها قد تقتلع ما في قلبه من خير باسم هذا الشعار
فليس الإنصاف هو أن تتوسط حسيا بين طرفين أو تقف في المنتصف بين أطراف فهذا غالبا يكون من قبيل عدم الإدراك والتمييز للصواب وإن أُلبس ما أُلبس.
لكن الإنصاف أن تحكُم في المسألة على ضوء واقعها بكل مصداقية وباعتبار الأسباب الحقيقية بغض النظر عن دوافعك النفسية والشخصية والانتمائية
والجدير بالذكر أن واقع الكثير ممن يظن نفسه منصفا يرجع ظنه لقلة إدراكه
فإنه كلما اشتدت الخصومة بين مذهبين دعت الظروف من كان أقرب إلى أحد الطرفين إلى تعديل مذهبه طلبا للتوسط الذي يكون نفسيا مطلبا لفئات من المتفرجين ومَن في حكمهم مِنَ الطرفين وهذا التوسط المنادَى به في مثل هذه الظروف والذي يعلم العاقل أن التأثير النفسي أو الطائفي أو الظرفي الواقعي أو نحوه كان سببا في ظهوره، هذا التوسط كونه توسطا فيما يبدو لا يعني شرعيته من عدمها لأنه توسط حسي لا شرعي
وعلى هذا الوتر غالبا يضرب أخونا الأزهري سامحه الله.
لكن ما عند الله لا ينال بضرب الأوتار، وإنما بتحري مراده ومراد رسوله على ضوء منهج الأخيار الأبرار، وهو ظاهر مبيّن فيما خلفوه لنا من أسفار، فلا مجال للإحداث والاختراع
وهذه هي مشكلة أخينا الأزهري فهو لا يتقيد بفهم السلف وإن زعم خلاف هذا فواقعه يشهد، والمسألة ليست مسألة أمنيات
وجل ما يقرره من آراء لا يَسْلم من الإحداث والابتداع حتى فيما يُظهره من مناصرة بعض المقالات فإنه يخالف ما يقوله أرباب المقالة نفسها كما في كلامه عن التفويض في الصفات والمطلع على كلامه يعلم صدق ما أقول.
على اضطرابٍ صحب شرحه للمسألة وتراجعٍ عما كان يقول به من نفي التفويض، ومرورٍ بما يعتبر أكثر من مرحلة، وليس هذا محل بيانه
وهذا البحث المختصر الذي أقدمه بين يدي القارئ الكريم نموذج لعظيم ما يجره الأزهري وأمثاله من ضرر على العلم والسنة، ومثال من أمثلة عدة تكشف مجانبته الأمانة في البحث، وتبين بعده عن المصداقية، وتدل على تحامله ضد خصومه إلى حد يخرجه عن أصول العلم.
ولا أريد أن أستطرد في الدعاوى فأترك الحجج النيرة تخاطب عقول وقلوب الباحثين عن الحق بدليله بعيدا عن عصبية الانتماءات المحدثة والله وحده الهادي إلى سواء السبيل
مع التذكير بأن الكلام عن البدعة تفصيلا قد سبق في مبحث على هذا الملتقى المبارك بعنوان (البدعة بين النصيحة والخدعة) وإن كنت قد نشرته مبدئيا على أمل مراجعته وطبعه ولكني أظنه وافيا بالمقصود والله الموفق
جاء أثر الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في إنكاره للتسبيح الجماعي من عدة طرق:
1 ـ عن عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة قال سمعت أبي يحدث عن أبيه قال:
" كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد
فجاءنا أبو موسى الأشعري، فقال:
أَخَرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟
قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعا
فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيرا.
قال فما هو؟ فقال إن عشت فستراه
¥