تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[جنايات على العلم والمنهج .. (18) تضييع الغاية العظمى التي ترجى من البحث والنظر وتعلم العلوم ..]

ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[14 - 08 - 09, 04:39 م]ـ

نعم فمن أعظم الجنايات على العلم والمنهج = تضييع الغاية والهدف السامي للبحث والنظر وطلب العلم.ولاشك أن هناك غاية عظمى هي الإطار الخارجي لكل عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه من طلب علم وغيره وهي: بلوغ مراضي الله ومحابه بحيث يوصل ذلك إلى الجنة والفرار من مساخط الله ومعصيته وما يبغضه وما يعقب ذلك من استحقاق النار.

لكن هناك لكل عبادة غاية عليا تختص بها،كما إن غاية الصلاة العليا الإتيان بأركانها وواجباتها ومستحباتها على وجه التمام والكمال، وكذلك طلب العلم ليس بدعاً،بل له غاية عليا تختص به إذا فهمتها وعقلتها أعانك ذلك أيما إعانة على طلبك للعلم وعلى فهم مرادنا بالتفنن. ولما أضاع الناس-إلا من رحم-تلك الغاية أضلتهم عن الاجتهاد والإبداع والابتكار ووقعت بهم في وهدة التقليد والتبعية والتقرير والشرح المجرد.

وهذا أوان الفحص عن تلك الغاية؛كي لا نُسرف في وصف الباطل من غير أن ندل على الحق ..

فالغاية العليا لطلب أي علم من العلوم الشرعية هي بلوغ الهدي الأول،واللسان الأول، وأعني بالهدي الأول:معرفة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون وأتباعهم (القرون المفضلة) في هذا العلم ثم الأمثل فالأمثل بعد ذلك من الأئمة مالم يختلط كلامهم ومناهجهم بكلام ومناهج الفلاسفة والمتكلمين.

وأعني باللسان الأول: ذلك اللسان الذي عبر به الصدر الأول عن المعاني قبل أن يستبدل قوم الذي هو أدنى بالذي هو خير.

ولعل رجل يعجب فيقول: قد كان لمن سميتَ بعض كلام في أبواب العلم التي ندرسها اليوم ولكنهم لم يستوعبوا كل باب بالكلام وثمَ أبواب لم يطرقوها قط .. ثم هذا الصدر الأول ذاته قد اختلف أهله في كثير من مسائل العلم فأصاب بعضهم وأخطأ بعضُ، وإنما يَنْفُقُ قولك لو كانوا قد أجمعوا على شئ في أبواب العلم تلك .. أما وقد اختلفوا فأي هدي تأمرنا أن نطلب (؟؟)

ونكشف عجبه فنقول:

إن الله تبارك وتعالى بعث نبيَه بالهدى ودين الحق فكان فرقاناً فرق الله به بين الحق والباطل، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم اشتد الناس في طلب الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فكان من هذا الحق أبواباً بُينت بياناً ظاهراً لا عذر لأحد في الإعراض عنه،ولا زالت بينة إلى يوم الناس هذا.

وكانت منه أبواب هي أبين ما تكون عند السلف الصالح صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ولازالت بينة عند من رزقه الله معرفتها إلا أنها خفيت على أقوام آخرين أو عرفوها وأعرضوا عنها.

وكان من هذا الحق أبواب اختلف السلف في تمييزها اختلافاً محفوظاً أذن الله به؛ليبتليهم وليجعل فرض معرفة هذا الحق والاجتهاد في طلبه من أعظم وأجل أبواب عبوديته. وجعل الله هذا الحق مفرقاً في المسلمين فيصيب بعضه بعضهم ويخطئ بعضهم بعضه، ويصيب الذي أخطأ أخرى، ويخطئ الذي أصاب أخرى، ولم يجعل الله عليهم من حرج ولم يحرمهم من أجر ما آمنوا واتقوا ولزموا البينة متى ظهرت لهم ولم يبغ بعضهم على بعض.

فطلب الهدي الأول الذي هو غاية كل طالب علم: هو طلب أبواب الحق هذه بمراتبها الثلاث،مع معرفة قدر كل مرتبة وما يتعلق بها من أحكام، وأن يكون هذا الطلب وفق منهاج الصدر الأول في معرفة الحق، فيكون همُك معرفة الحق،وأن تسلك لمعرفة الحق نهج وسبيل الصدر الأول في طلب الحق.

وأنت إذا تأملتَ أحوال هذا الصدر الأول وجدت منهاجهم في طلب الحق منهاجاً فطرياً سوياً وقوامه أمران:

الأول: السُنن والآثار؛ يعرفون بها ما بلغه نبيهم عن ربهم جل وعلا وما بلغه نبيهم لصحابته، وما حُفظ عن الصحابة والتابعين وأتباعهم من سنن وهدي يُعين على فهم الوحيين، ثم ما يُنقل بعض ذلك عن أئمة الدين من كلام يكون دليلاً على الحق.

والثاني: العربية؛ ومعرفة أحكامها وسننها الذي يُفهم به مراد القرآن العربي ولسان النبي العربي وكلام العرب الأقحاح الذين حملوا هذا الدين إلينا.

ذلك أن الباطل يدخلُ على الإنسان من بابين:

الأول: قبول الكذب.

الثاني: الخطأ في تفسير الصدق.

فكان الاعتصام بالسنن وضبط أحكام نقلها وأحوال نقلتها عاصماً من قبول الكذب إلا ما شاء الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير