تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[كم في الصوم من أسرار وأسرار!]

ـ[أبو مالك العقرباوي]ــــــــ[21 - 08 - 09, 09:18 م]ـ

من أسرار الصوم

حامد بن عبدالله العلي

عندما تتأمَّل في الصيام، تجد فيه معنى عظيما في العبودية، لايوجد في غيره من العبادات، وهو أنَّه العبادة الوحيدة التي يمكنك أن تتلبَّس بها أطول وقت، وتكون فيه كلَّه، قائما بالعبادة، لاتنخرم في لحظة واحدة.

ولهذا استحبَّ من استحبَّ من السلف الوصال، وحملوا النهي عنه على أنَّه مخصوص بمن يضعِفه، فقد أرادوا تحقيق هذا المعنى الذي لايوجد مثله إلاّ في ملائكة الله تعالى التي تتواصل العبادة بلا فتور أبد الدهر.

بل هي العبادة الوحيدة التي يمكن أن يجمع معها العابد في وقت أداءه لها، كلَّ العبادات الأخرى، من الطهارة، إلى الجهاد في سبيل الله

ولهذا عظُم أمره عند الله تعالى حتى قال جلَّ، وعزَّ، في الحديث القدسي (إلاَّ الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به) متفق عليه، وبلغ من تعظيمه أن اختار الحقُّ سبحانه، شهر الصوم، ليكون الشهر الذي يُنزل فيه القرآن، وفيه ليلة القدر، وتفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، ويعتق الله فيه كلَّ ليلة من النار من شاء أن يعتقهم.

فالصائم متعبّد لله تعالى في صحوه، ونومه، وشُغله، وفراغه، وصمته، وكلامه، وليس شيء يشبه الصيام في هذه الخاصية إلاّ الجهاد في سبيل الله، فإنَّ المجاهد يجري عليه ثوابه من لحظة خروجه من بيته للجهاد، ثم لايتوقف حتى يرجع، فإنْ اختاره الله شهيداً كُتب أجره إلى يوم القيامة.

ولهذا صار بين الصوم، والجهاد، وجهُ شبهٍ عظيم، فالصائم مجاهد لجميع هواه، وما تشتهيه النفس، وفي الحديث (المجاهد من جاهد هواه في ذات الله تعالى)، ولهذا هو يضيِّق على الشيطان مجاريه، في المكر به، والمجاهد في سبيل الله يجاهد شياطين الإنس، فيضيّق عليهم مجاريهم في المكر ضدّ إعلاء كلمة الله تعالى.

ومن هنا ـ والله أعلم ـ ارتبط الجهاد في تاريخنا بشهر الصوم، فوقعت فيه أعظم المعارك الإسلامية من بدر إلى معركة الفلوجة، وكان التكبير شعار نهاية الصوم في عيده، والتكبير شعار الجهاد في سبيل الله تعالى، وإذا فتحوا مدينة، أو قرية، أو حصنا، كبَّروا في نواحيها.

فعيد الجهاد الفتح بالتكبير، وعيد الصوم الفطر بالتكبير.

وكما أنَّ القرآن يرتقي الصوَّام إلى فهم معانيه أكثر من غيرهم، فصومهم يهيّئهم لنيل هذه المنزلة العالية، ولهذا أمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يواصل الصوم ثلاثين يوما، ثم أن يتمّها بعشر، حتى يتلقّى كلام الله تعالى التوراة بعد هذا الجهاد العظيم،

كما أنَّ القرآن هذا حاله مع الصيام، فكذلك مع الجهاد في سبيل الله، فإنّه وسيلة لإعلاء كلمة الله القرآن، فغاية الجهاد، ونهايته، إعلاء القرآن في الأرض، كما أنَّ الصوم يُعلي العبد إلى القرآن في نفسه،

وقد قال تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، هدى للناس، وبيّنات من الهدى و الفرقان) وسمّى الله تعالى أعظم غزوة في الإسلام (يوم الفرقان).

ولهذا صار رمضان شهرَ القرآن، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يواصل الصوم فيه، لأنَّ جبريل عليه السلام، إنما كان يراجعه القرآن في رمضان.

وشُرع فيه بعد الصوم في نهاره، قراءة القرآن في المساجد في صلاة جماعة في ليله.

ولنرجع إلى ما ذكرناه أوّل المقال، وهو ما في الصوم من الخصوصية في التعبد، فإن قيل: فالصائم إنما منع من النكاح، والأكل، و الشرب، غير أنَّ في النفس شهوات أخرى تطلبها، فكيف يتحقَّق ما ذكرته من المعنى، فالجواب: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع بيان هذا، فقال: (من لم يدع قول الزور، و العمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) والزور هو الباطل كلَّّه، كما قال تعالى (والذين لايشهدون الزور) أي لايحضرون أماكن الباطل.

وقال عليه الصلاة والسلام للصائم: فإن سابّه أحدٌ أو شاتمه، فليقل إني امرؤ صائم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير