ـ ثم هذه الرواية بلاغ كما هو صريح كلام أبي داود يعني أنها منقطعة، وأبوداود سنة ست عشرة كان عمره أربع عشرة سنة، وإن كان قد ثبت في الجملة أنه رأى عارما لكن تحديد سنة الاختلاط لم يقف عليها بنفسه وإنما بلغته من غيره بنص قوله " بلغنا " ـ أنها خالفت الرواية الصحيحة المتصلة وهي ما رواه الإمام أبو حاتم الرازي الذي هو أخص في عارم وأعلم من أبي داود فهو أكبر من أبي داود بسبع سنين و ثبت سماعه من عارم سنة أربع عشرة ـ وكان أبوداود وقتها له من العمر اثنتا عشر سنة فهو أعلم بعارم
ثم أبو حاتم أعلم بهذا الباب من أبي داود، فهو أرفع من أبي داود في علم العلل وفروعه إضافة إلى كون أبي حاتم متشدد ـ فشهادته أقوى، وكونه أقرب إلى موافقة غيره وهو العجلي الذي أخبر أنه اختلط قبل موته بسنة أو اثنتين وعارم إنما مات سنة أربع وعشرين وقيل ثلاث وعشرين
ومن كل ما تقدم نعلم أن من بنى على كلام أبي داود حكمه على البغوي بأنه سمع بعد الاختلاط فقد باين العلم والحجة وبالتالي فالإسناد خالي من العلل
لكن تنحصر علة هذا الطريق في مجالد وهو سيء الحفظ وروايته يستشهد بها وخاصة إذا كانت من رواية حماد بن زيد عنه كما هنا فهي من أثبت روايات مجالد
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم:
حدثنا أحمد بن سنان قال سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول:
" حديث مجالد عند الأحداث يحيي بن سعيد وأبي أسامة ليس بشيء ولكن حديث شعبة وحماد بن زيد وهشيم وهؤلاء القدماء يعني أنه تغير حفظه في آخر عمره" ا. هـ
فرواية حماد بن زيد عنه قوية فلا أقل من أن يستشهد بها
وقد أخرج مسلم لمجالد مقرونا كما ذكر ابن حجر
وفضّله أبو حاتم على بشر بن حرب وشهر بن حوشب
ووثقه النسائي وقال مرة ليس بقوي
وقال البخاري عنه بأنه صدوق وكذا قال يعقوب الفسوي
وقال ابن المثنى: يحتمل حديثه لصدقه
وقال أحمد: احتمله الناس.
مع أنه يراه ليس بشيء وذكر أحمد مبينا سبب الكلام فيه فقال: وانتقد عليه رفعه ما لم يرفعه غيره "
وكذا شخّص غير أحمد سبب أكثر الكلام فيه وهو أنه يرفع ما ليس بمرفوع
فينبغي لمن تردد في تصحيح الأثر من خلال الطريق الأول ألا يتردد في صحته بضميمة هذه المتابعة القوية لكونها من رواية حماد عن مجالد
فإذا أضفنا المتابعات الأخرى التي روت أصل القصة والتي لا يتردد عاقل في كونها ترفع الأثر إلى أعلى درجات الصحة تَبيَّن لكل ناظر قدر العناد الذي تحلى به الأستاذ الأزهري وبعده عن النزاهة العلمية والإنصاف فالله حسيبه
وإليك ما وقفت عليه من متابعات أخرى تشترك في مقدار من الأحداث السابقة يدل على أنها قصة واحدة من إنكار ابن مسعود على قوم يسبحون جماعة في المسجد وبعبارات متقاربة جدا جاءت في نفس القصة السابقة
وكلها امتنع الأستاذ الأزهري من الاعتراف بوجودها بل أنكر إنكارا مجملا ورود شيء من الطرق يذكر القصة سوى الطريق الأولى وهذا جحود للواقع واستخفاف بالعلم وعبث بالآثار ولعب بالتراث
ولا أستبعد من استخفاف هذا الرجل بالقراء أن يزعم إذا ألقم بهذه المتابعات أن يقول: أنا أقصد أنها لم ترد كاملة بنفس السياق
فأرجو ألا يقع الأزهري في الكذب لأنه إنما ضعف القصة ليبين أن إنكار ابن مسعود للذكر الجماعي لم يصح وجميع المتابعات التي سأذكرها مشتملة على إنكار ابن مسعود للذكر الجماعي المحدث
فهو ينكر بصريح كلامه ما جاءت به تلك المتابعات
ثم هو قد ضعف القصة كاملة ولم يصحح شيئا منها سوى الحديث المرفوع الذي ليس من أحداثها
وليس من الصدق في شيء أن تكون قصة صحيحة فتأتي وتنكر صحتها كلها ثم عندما تحاصَر بالحجج تدعي أنك أنكرت سياقا معينا بينما أنت أنكرت القصة من أصلها
وإلا فما معنى إنكارك على مخالفيك الاستدلال بالأثر على إنكار الذكر الجماعي وما معنى اعترافك بصحة ما جاء فيها من حديث مرفوع دون غيره؟
هذا هو العبث والعناد
وإليك أخي القارئ هذه المتابعات
3 ـ المتابعة الأولى:
قال الطبراني في معجمه الكبير
¥