ولا يثبت دخول الشهر بغير هذين الأمرين، فلا عبرة بقول أهل الحساب والفلك في هذا الأمر، فإنه أمر شرعي ينبني عليه عبادات المسلمين ضبطها الشارع بضوابط لا يجوز لنا تجاوزها، وقد دلت الأدلة على أن ثبوت شهر رمضان لا يكون إلا بالرؤية الشرعية المعتبرة، أو بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوما.
ولم يأت دليل يعلق دخول هذا الشهر بالحساب، بل قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على عدم اعتباره، ففي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا)) يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين. فنفى المعرفة بالحساب وظاهره نفي تعليق الحكم به، يوضح ذلك ما في البخاري أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)).
بل إن بعض العلماء قد نقل إجماع السلف على عدم اعتبار الحساب في ثبوت شهر رمضان، وإذ قد ظهر ذلك فإن الاعتماد على الحساب في إثبات الشهر عمل غير مشروع؛ لعدم الدليل عليه، مع مخالفته لظواهر الأدلة وما نقل من إجماع سلف الأمة، فيكون القول به مردودا على صاحبه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة رضي الله عنهما الذي أخرجه مسلم في صحيحه: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد))
والجاليات المسلمة في البلاد الكافرة إن تمكنوا من تحري رؤية هلال رمضان فهو المتعين، وإن لم يتمكنوا فالواجب عليهم أن يتبعوا أقرب بلد مسلم يعمل بالرؤية الشرعية، ولا يجوز لهم العمل بالحساب بحال كغيرهم من المسلمين في بلاد الإسلام.
ويشرع استقبال هذا الشهر الكريم بالتوبة إلى الله من الذنوب والخطايا، ورد المظالم إلى أهلها، فإن هذا مشروع كل وقت، يقول الله عز وجل: ((وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) [سورة النور /31] ويقول سبحانه: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا)) [سورة التحريم / 8]، ويتأكد أمر التوبة في مثل هذه الأزمان الفاضلة لشرفها وعظم أجر الأعمال الصالحة فيها.
هذا وإنه مما ينبغي التنبيه له أنه لا يجوز للمسلم أن يصوم يوم الشك، يقول عمار رضي الله عنه: ((من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)) ويوم الشك هو يوم الثلاثين إذا لم يحل دون منظر هلال ليلته غيم أو قتر. وإذا دخل هذا الشهر الكريم، فإنه لا بأس من التهنئة بدخوله؛ لأنه قد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ففي سنن النسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم)). وجاء في مسند الإمام أحمد بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((في رمضان تغلق أبواب النار. . .)) الحديث إلى أن قال صلى الله عليه وسلم: ((وينادي فيه ملك: يا باغي الخير أبشر، ويا باغي الشر أقصر حتى ينقضي رمضان)).
ثم إن أعظم العبادات في هذا الشهر الكريم هي عبادة الصيام، و صيام رمضان رابع أركان الإسلام يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)) متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، واللفظ لمسلم.
وهو فرض بدلالة الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [سورة البقرة / 183] ومن السنة حديث ابن عمر السابق.
وقد أجمع المسلمون على فرضية صيام رمضان.
و معنى الصوم في اللغة: مطلق الإمساك، يقول الله تعالى عن مريم أم عيسى عليه السلام: ((فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا)) [سورة مريم/26].
وقال الشاعر:
خيل صيام وخيل غير صائمة * * * * تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
¥