تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والذي يفهم من قوله تعالى "وما علمناه الشعر وما ينبغي له" أي ماينبغي لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- النقص وإنما ينبغي له الكمال ذلك أن الكمال في الوحي بشقيه من قرآن وسنة والنقص في الشعر في أعلى درجات حكمته وصدقه. ومما لايخفى على أهل اللغة والأدب أن الشعر يدخله الباطل بل إن غالبه كذلك ويدخله التناقض والاضطراب والكذب وتحويل الحق إلى باطل والباطل إلى حق ولا أجد أبلغ من قول دعبل في وصف الشاعر عندما قال "من فضل الله على الشاعر أنه مامن أحد يكذب إلا إجتواه الناس إلا الشاعر فإنه كلما إزداد كذبه كلما ازداد المديح له ولا يكتفى له بذلك حتى يقال أحسنت والله فما يشهد له بشهادة زور إلا وكان معها يمين بالله" ويشهد الله لو كان هذا الموقف مع غير القرآن والسنة لانتصرت للشعر ولكني لا أستطيع الانتصار لقول مخلوق ضعيف معظمه كذب وتزويرعلى قول خالق قوله حق مبين لايأيتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ومعلوم عند أهل اللغة أنه مامن قصيدة في دواويين الشعر القديم والحديث تخلو من عيب نحوي أو صرفي أو اضطراب واختلاف أو معنى مبتذل وصدق الله القائل " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا" (النساء 82). وإذا كان الشعر الجاهلي لم يخل من ذلك فكيف يخلو منه ماهو دونه في اللغة والبيان فهذا طرفة في قوله "قد رفع الفخ فماذا تحذري " قد حذف النون وهذا الراعي النميري في قوله "تأبى قضاعة أن تعرف لكم نسبا وابنا نزار وأنتم بيضة البلد" فسكن تعرف ضرورة وهذا شاعر الجاهلية أمرؤ القيس في قوله " لها متنتان خظاتا كما أكب على ساعديه النمر" حذف النون وقول زياد الأعجم "عجبت والدهر كثير عجبه من عنزي سبني لم اضربه" فرفع اضربه وقول الفرزدق "وعض زمان يابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتا أو مجلف" فضم مجلفا. وهذه أمثلة قليلة جدا ذكرناها لبيان نقصان الشعر وعدم كماله عند اساطينه وسادته ولذلك لم يرد الله لرسوله –صلى الله عليه وسلم- إلا الكمال فعصمه من الشعر لنفي الظنة ولتطهير فمه وقلبه من قول ناقص وبيان غير مكتمل فوهبه الوحي الكامل وجنبه قول الشعر لما ذكرناه وليبقى مثال الفصاحة والبيان إلى قيام الساعة فلو كان شاعرا لوقع فيما وقع فيه الشعراء العظام من لحن وزلل واضطرار وإسناد وإقواء وإكفاء وإجازة وإيطاء وتفاوتات البيوت ولذلك أصبح –صلى الله عليه وسلم- مستغنيا بالكامل عن الناقص. ثم لو جاز له أن يكون شاعرا معصوما من ذلك كله لأصبح مشتركا مع الشعراء في الاسم وذلك مالم يرده له سبحانه وتعالى.

ومما ذكره الأزهري في تهذيب اللغة " وقيل للنبي محمد صلى الله عليه وسلم: الأمي، لأن أُمة العرب لم تكن تكتب ولا تقرأ المكتوب، بعثه الله رسولاً وهو لا يكتب من كتاب، وكانت هذه الخلة إحدى آياته المعجزة، لأنه صلى الله عليه وسلم تلا عليهم كتاب الله منظوماً مع أميته بآيات مفصلات، وقصص مؤتلفات، ومواعظ حكيمات، تارة بعد أخرى، بالنظم الذي أنزل عليه، فلم يغيره ولم يبدل ألفاظه. وكان الخطيبُ من العرب إذا ارْتَجَل خُطْبَةً ثم أَعادها زاد فيها ونَقَص، فحَفِظه الله عز وجل على نَبيِّه كما أَنْزلَه، وأَبانَهُ من سائر مَن بَعَثه إليهم بهذه الآية التي بايَنَ بَينه وبينهم بها، ففي ذلك أَنْزَل الله تعالى: "وما كنتَ تَتْلُو من قَبْلِه من كِتاب ولا تَخُطُّه بِيَمِينِك إذا لارْتابَ المُبْطِلون" الذين كفروا، ولَقالوا: إنه وَجَدَ هذه الأَقاصِيصَ مَكْتوبةً فَحَفِظَها من الكُتُب."

وخلاصة القول في هذه المسالة أن الأمة المسلمة قد إرتفعت عنها الأمية بمعناها العام بعد بعثة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وكيف لاترتفع عنها وهي التي علمت العالم جميعه مكارم الأخلاق من حقوق الوالدين والأبناء والجار وإكرام الضيف وغض البصر وإغاثة الملهوف وكثيرا مما لايتسع المقام لذكره ومن نافلة القول أن أمة تتصارع حضارتها مع هذه القيم والأخلاق لفي خسران عظيم. وكيف يقال عن هذه الأمة أنها أمة أمية وقد أنجبت الصديق والفاروق وعثمان وعلي وسائر أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- رضوان الله عليهم أجمعين وأنجبت ربيعة الراي وأبا حنيفة ومالكا والشافعي وابن حنبل والخليل وسيبويه وكثيرا ممن لايحصى. كما أن الأمية لايمكن أن تعود إلى هذه الأمة إلا متى عادت إلى جاهليتها الأولى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير