عذر, وإن تخلف أحد فصلاها منفردا لم تكن عليه إعادتها, صلاها قبل الإمام, أو بعده, إلا صلاة الجمعة؛ فإن من صلاها ظهرا قبل صلاة الإمام كان عليه إعادتها لأن إتيانها فرض» , هذا كله لفظ ابن المنذر.
وقالت الحنفية والمالكية: هي سنة مؤكدة؛ ولكنهم يُؤَثِّمُونَ تارك السنن المؤكدة, ويصححون الصلاة بدونه, والخلاف بينهم وبين من قال أنها واجبة: لفظي.
وكذلك صرح بعضهم بالوجوب.
قال الموجبون:
[الدليل الأول]: قال الله تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك} [4/ 102] , ووجه الاستدلال بالآية من وجوه:
أحدها: أَمْرُهُ سبحانه لهم بالصلاة في الجماعة, ثم أعاد هذا الأمر سبحانه مرة ثانية في حق الطائفة الثانية, بقوله: {ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك} [4/ 102] , وفي هذا دليل على أن الجماعة فرض على الأعيان؛ إذ لم يسقطها سبحانه عن الطائفة الثانية بفعل الأولى, ولو كانت الجماعة سُنَّةً لكان أَوْلَى الأَعْذَارِ بسقوطها: عذر الخوف! ولو كانت فرض كفاية؛ لسقطت بفعل الطائفة الأولى! ففي الآية دليل على وجوبها على الأعيان.
فهذه على ثلاثة أوجه: أمره بها أولا, ثم أمره بها ثانيا, وأنه لم يرخص لهم في تركها حال الخوف!
الدليل الثاني: قوله تعالى: {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون, خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سلمون} [68/ 42, 43].
ووجه الاستدلال بها: أنه سبحانه عاقبهم يوم القيامة؛ بأن حال بينهم وبين السجود لما دعاهم إلى السجود في الدنيا=فأبوا أن يجيبوا الداعي.
إذا ثبت هذا؛ فإجابة الداعي: هي إتيان المسجد بحضور الجماعة, لا فعلها في بيته وحده, فهكذا فسر النبي الإجابة, فروى مسلم في صحيحه [رقم:653]: عن أبي هريرة, قال: أتى النبيَّ رجلٌ أعمى, فقال: يا رسول الله, ليس لي قائد يقودني إلى المسجد. فسأل رسولَ الله أن يرخص له, فرخص له, فلما ولّى دعاه, فقال: «هل تسمع النداء؟» , قال: نعم. قال: «فأجب». فلم يجعله مجيبا له بصلاته في بيته إذا سمع النداء.
فدل على أن الإجابة المأمور بها, هي: إتيان المسجد للجماعة.
ويدل عليه حديث ابن أم مكتوم, قال: يا رسول الله, إن المدينة كثيرة الهوام, والسباع, فقال رسول الله: «تسمع حي على الصلاة, حي على الفلاح؟» قال: نعم. قال: «فحيهلا». رواه أبو داود [رقم:553] , والإمام أحمد [3/ 423].
و"حيهلا": اسم فعل أمر, معناه: أَقْبِلْ, وأَجِبْ. وهو صريح في أن إجابة هذا الأمر بحضور الجماعة, وأن المتخلف عنها لم يجبه.
وقد قال غير واحد من السلف, في قوله تعالى: {وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سلمون} [68/ 43] , قال: هو قول المؤذن: حي على الصلاة, حي على الفلاح. [الدر المنثور 8/ 56].
فهذا الدليل مبني على مقدمتين, إحداهما: أن هذه الإجابة واجبة. والثانية: لا تحصل [أي: الإجابة] إلا بحضور الصلاة في الجماعة.
وهذا هو الذي فهمه أعلم الأمة وأفقههم من الإجابة, وهم الصحابة رضي الله عنهم, فقال ابن المنذر, في كتاب "الأوسط" [6/ 80, ح:1850]: «روينا عن ابن مسعود وأبي موسى أنهما قالا: «من سمع النداء ثم لم يجب؛ فإنه لا تجاوز صلاته رأسه, إلا من عذر» [مجمع الزوائد2/ 42]».
قال=: «وروي عن عائشة, أنها قالت: «من سمع النداء فلم يجب, لم يُرِدْ خَيْراً, ولم يُرَدْ بِه» [سنن البيهقي3/ 57] , وعن أبي هريرة, أنه قال: «لأن تمتليء أذنا ابن آدم رصاصا مذابا, خير له من أن يسمع المنادي ثم لا يجيبه» [ا. هـ]».
فهذا وغيره يدل أن الإجابة عند الصحابة, هي: حضور الجماعة, وأن المتخلف عنها غير مجيب, فيكون عاصيا!
الدليل الثالث: قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين} [2/ 43] , ووجه الاستدلال بالآية: أنه سبحانه أمرهم بالركوع, وهو الصلاة, وعبر عنها بالركوع؛ لأنه من أركانها, والصلاة يعبر عنها بأركانها, وواجباتها, كما سماها الله سجودا, وقرآنا, وتسبيحا, فلا بد لقوله: {مع الركعين} [2/ 43} من فائدة أخرى, وليست إلا فعلها مع جماعة المصلين, والمعية تفيد ذلك!
إذا ثبت هذا الأمر المقيد بصفة أو حال, لا يكون المأمور ممتثلا إلا بالإتيان به على تلك الصفة والحال.
¥