تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الطريقة المحمدية: الباب الأوحد يا مريد محمد]

ـ[حامد الإدريسي]ــــــــ[28 - 06 - 10, 02:10 ص]ـ

وأنت تمشي في سوق الإسلام، الذي يضمُّ كثيرًا من السِّلَع والبَضائِع المتنوِّعة والمختلفة والمتضاربة، تسمَع المُنادِين يدْعون الناس إلى سلعتهم، هلمَّ إلى التيجانية، هنا النقشبندية، هاكم الطريقة الشاذلية، تقدَّموا تقدَّموا، أدرِكوا الشيخ فلان بن علان، صاحب البركات العظيمة، والأوراد المميَّزة، وترى الناس يسعَوْن حائِرين، هذا يلج هنا، وذاك يقف هناك، وذاك يتمسَّح بعمامة فلان، والآخَر يقبِّل يد علان، فيأتي هذا وقد ألبسوه عمامةً خضراء، والآخر وقد غطوه برداء أحمر، يتفنَّنون في تمييز بعضهم، وتفريق وحدة المسلمين، كلُّ حزبٍ بهيئتهم فرحون.

وأنا أتلفَّت يمنةً ويسرةً أقول:

أين الطريقة المحمدية من بين كلِّ هذه الطرق؟

وأين سبيل ابن عبدالله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - من بين كلِّ تلك السبل المتباينة، والطرق المختلفة؟

أفأهدَى من محمدٍ أتبعه وأجعله إمامًا ومرشدًا؟ أفأحسن منه خلقًا؟ أفأكرم منه نسبًا؟ أفأسلَم منه منهجًا؟ أم أنه لم يترك لنا طريقة نمشي عليها، ولم يُبقِنا على منهج قويم، وسلوك مستقيم، وحجَّة واضحة، ومحجة بيضاء؟!

ماذا يريد منِّي الشاذلي أو التيجاني أو غيره، إن كان وليًّا صالحًا! فالله يتولَّى الصالحين، ولم يأمرني نبيِّي أن أتَّبعه، وإن كان غير ذلك، فلستُ عليه بوكيل، أمَّا أن أتَّخذه وليًّا وإمامًا، فلم أجد اسمه في القرآن، ولا في سنَّة أبي القاسم سيِّدي وسيِّده، والذي أمَرَنِي ربي وربُّه باتِّباعه؛ فقال: ? قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ? [آل عمران: 31]، وقال لي وله: ? وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ? [الحشر: 7].

أمَّا ما لم يأتكم به الرسول فلا تأخذوه، وما لم ينهكم عنه فلا تنتهوا، فما أوضح كلام الله، وما ألذَّ برده في النفوس!

إنَّ الإسلام كما جاء، جاء كاملاً، وكما وُضِع، وضع متناهيًا، لم يَمُت الرَّؤوف الرحيم بالمؤمنين - عليه أفضل الصلاة وأتَمُّ التسليم - إلا بعدما بلَّغ آخر حرف ممَّا علَّمه الله، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما تركتُ شيئًا يُقرِّبكم من الجنة إلا وبيَّنتُه لكم، وما تركتُ شيئًا يُبعِدكم عن النار إلا وبيَّنتُه لكم))، فلم ينقصنا شيئًا، ولم يكتُم عنَّا خبرًا، ولم يستر عَنَّا من أوامر ربه أمرًا، ولا بدَّل ولا غيَّر، ولا زاد ولا نقص؛ بل دينٌ أتمَّه الله هو بلَّغه، وشرعٌ أحكمه الحكيم هو أوصله، وسنَّة هداه إليها الهادي أمَرَنا بلزومها؛ قال الله - تعالى -: ? الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ? [المائدة: 3].

فلم يترك مجالاً إلا لِمَن اضطرَّ في مخمصة، وما يتعلَّق بأحكام الفقه والمعاملات ممَّا يشمَله باب الاجتهاد، أمَّا طريق العبودية وأسلوب السلوك إلى الله، فقد أوصَلَه كاملاً، وبلَّغه تامًّا واضحًا، وقال: ((خير الهدي هدي محمد)) صلَّى الله على محمد.

فلم نحتَجْ نحن في ذلك إلا إلى أمرٍ واحد أجملَتْه هذه الآيات: قال - تعالى -: ? وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ? [النور: 54]، وقال - عز وجل -: ? مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ? [النساء: 80]، وقال: ? وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ? [النور: 56]، وقال: ? ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ? [الجاثية: 18 - 19]، ثم زاد هذا المعنى تأكيدًا وهو واضح، وتبيينًا وهو بيِّن، فقالت عائشة تروي لنا ما كان يقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ) وقال: ((مَن عمل عملاً ليس عليه أمرُنا، فهو ردٌّ))، فأمره كامل، وشريعته التي جعَلَه الله عليها قد أحاطَتْ بالعبادة من كلِّ جوانبها، فلم تُبْقِ شيئًا في

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير